إن قيل : فقد يوجد من يحصل له معرفة الله ثم يرتدّ !. قيل : إن الذي يقدّر أنه معرفة، هو ظن متصور بصورة العلم. فأما أن يحصل له العلم الحقيقي ثم يعقبه الارتداد فبعيد، ولم يعن بهذه المعرفة ما جعله الله تعالى للإنسان بالفطنة، فإن تكل كشررة تخمد إذا لم تتوقد.
الثالثة : قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى، في [ في المطبوع : وفي ] " بدائع الفوائد " : قبلة أهل الكتاب ليست بوحي وتوقيف من الله. بل بمشورة واجتهاد منهم. أما النصارى فلا ريب أن الله لم يأمرهم في الإنجيل ولا في غيره باستقبال المشرق، وهم يقرّون بأن قبلة المسيح قبلة بني إسرائيل، وهي الصخرة، وإنما وضع لهم أشياخهم هذه القبلة، فهم مع اليهود، متفقون على أن الله لم يشرع استقبال بيت المقدس على رسوله أبداً. والمسلمون شاهدون عليهم بذلك الأمر. وأما اليهود فليس في التوراة الأمر باستقبال الصخرة البتة، وإنما كانوا ينصبون التابوت ويصلون إليه من حيث خرجوا، فإذا قدموا نصبوه على الصخرة وصلوا إليه، فلما رفع صلوا إلى موضعه وهو الصخرة. وقوله :﴿ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ ﴾ بعد الإفصاح عن حقيقة حاله المعلومة عنده في قوله :﴿ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ﴾ كلام وارد على سبيل الفرض والتقدير ؛ بمعنى : ولئن اتبعتهم، مثلاً، بعد وضوح البرهان والإحاطة بحقيقة الأمر :﴿ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ أي : المرتكبين الظلم الفاحش.
وفي ذلك لطف للسامعين وزيادة تحذير واستفظاع لحال من يترك الدليل بعد إثارته، ويتبع الهوى، وتهييجٌ وإلهاب للثبات على الحق. أفاده الزمخشريّ.
تنبيهات :


الصفحة التالية
Icon