﴿فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به﴾ [ البقرة : ٨٩ ] وأجرى المثل بذكر الأبناء لاشتداد عناية الوالد بابنه لاعتلاقه بفؤاده، ففيه إنباء بشدة اعتلاقهم به قبل كونه ﴿وإن فريقاً منهم﴾ أي أهل الكتاب ﴿ليكتمون الحق﴾ أي يخفونه ولا يعلنونه.
ولما كان لا يلزم من ذلك علمهم به ولا يلزم من علمهم به استحضاره عند الكتمان قال :﴿وهم يعلمون﴾ أي إنه حق وأنهم آثمون بكتمانه، فجعلهم أصنافاً : صنفاً عرفوه فاتبعوه، وصنفاً عرفوه فأنكروه كما في إفهامه وفريقاً علموه فكتموه ؛ وفي تخصيص هذا الفريق بالعلم إشعار بفرقان ما بين حال من يعرف وحال من يعلم، فلذلك كانوا ثلاثة أصناف : عارف ثابت، وعارف منكر هو أردؤهم، وعالم كاتم لاحق به ؛ وفي مثال يكتمون ويعلمون إشعار بتماديهم في العالم وتماديهم في الكتمان.
ولأن هذا المجموع يفيد قهر الحق للخلق بما شاء منهم من هدى وفتنة لتظهر فيها رحمته ونقمته وهو الحق الذي هو ماضي الحكم الذي جبلّة محمد ﷺ تتقاضى التوقف فيه لما هو عليه من طلب الرحمة ولزوم حكم الوصية خاطبه الحق بقوله :﴿الحق﴾ أي هذا التفريق والتصنيف الموجب لعمارات درجات الجنة وعمارات دركات النار هو الحق، أو يكون المعنى : الحق الذي أخبرت به في هذه السورة أو الآيات، أو جنس الحق كائن ﴿من ربك﴾ أي المحسن إليك بطرد من يضر اتباعه كما هو محسن إليك بالإقبال بمن ينفع اتباعه ﴿فلا تكونن من الممترين﴾ فيما فسر نحوه من اشتباه المرتبتين الواقعة منه فيما بين الفضل والعدل والواقعة من غيره فيما بين الجور والعدل انتهى.
وفيه زيادة وتغيير، وفي تأكيد الأمر تارة بالعلم وتارة بالمعرفة وتارة بغيرهما تأكيد لوجوب اتباعه ﷺ وإزاحة لما يلقيه السفهاء العالمون به من الشبه.
قال الحرالي : والممتري من الامتراء وهو تكلف المرية وهي مجادلة تستخرج السوء من خبيئة المجادل، من امتراء ما في الضرع وهو استيصاله حلباً، ولأنه حال الشاك ربما أطلق عليه. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٢٦٩ ـ ٢٧١﴾


الصفحة التالية