القول الثالث : أن الرجل إذا قال : فلان أوسطنا نسباً فالمعنى أنه أكثر فضلاً وهذا وسط فيهم كواسطة القلادة، وأصل هذا أن الاتباع يتحوشون الرئيس فهو في وسطهم وهم حوله فقيل وسط لهذا المعنى.
القول الرابع : يجوز أن يكونوا وسطاً على معنى أنهم متوسطون في الدين بين المفرط والمفرط والغالي والمقصر في الأشياء لأنهم لم يغلوا كما غلت النصارى فجعلوا ابناً وإلهاً ولا قصروا كتقصير اليهود في قتل الأنبياء وتبديل الكتب وغير ذلك مما قصروا فيه.
واعلم أن هذه الأقوال متقاربة غير متنافية والله أعلم. أ هـ
﴿مفاتيح الغيب حـ ٤ صـ ٨٨ ـ ٨٩﴾.
" الأمة الوسط "
" الوسط" ما توسط بين شيئين، وبمعنى الجميل والشريف، والمعنيان يعودان ظاهراً إلى حقيقة واحدة لأن الجمال والشرف فيما اعتدل وابتعد عن الإفراط والتفريط.
ما أجمل التعبير القرآني عن الأمة المسلمة... الأمة الوسط.
الوسط : المعتدلة في " العقيدة" لا تسلك طريق " الغلو" ولا طريق " التقصير والشرك"، لا تنحو منحى " الجبر" ولا تؤمن " بالتشبيه" في صفات الله ولا " بالتعطيل".
معتدلة في " القيم المادية والمعنوية" لا تغطّ في عالم المادة وتنسى المعنويات، ولا تغرق في المعنويات وتتناسى الماديات. ليست كمعظم اليهود لا يفهمون سوى المادة، وليست كرهبان النصارى يتركون الدنيا تماماً.

معتدلة في " الجانب العلمي" لا ترفض الحقائق العلمية، ولا تقبل كل نعرة ترتفع باسم العلم.
معتدلة في " الرّوابط الاجتماعية" لا تضرب حولها حصاراً يعزلها عن العالم، ولا تفقد استقلالها وتذوب في هذه الكتلة أو تلك، كما نرى الذائبين في الشرق والغرب اليوم!
معتدلة في " الجانب الأخلاقي"... في عباداتها... في تفكيرها... وفي جميع أبعاد حياتها.
المسلم الحقيقي لا يمكن إطلاقاً أن يكون إنساناً ذا بعد واحد، بل هو إنسان ذو أبعاد مختلفة... مفكر، مؤمن، عادل، مجاهد، مكافح، شجاع، عطوف، واع، فعّال، ذو سماح.


الصفحة التالية
Icon