عبارة الأمة الوسط توضّح من جانب مسألة شهادة الأمة الإسلامية، لأن من يقف على خطّ الوسط يستطيع أن يشهد كل الخطوط الانحرافية المتجهة نحو اليمين واليسار.
ومن جانب آخر تحمل العبارة دليلها وتقول : إنَّمَا كُنْتُمْ شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ لأنَّكُمْ معتدلون وأنكم أمة وَسَط". أهـ ﴿الأمثل حـ ١ صـ ٤١٠﴾
قوله تعالى :﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾
﴿لتكونوا﴾ أي أنتم لا غيركم ﴿شهداء﴾ كما أفاده التعبير بهذا دون أن يقال : لتشهدوا، وقال :﴿على الناس﴾ أي كافة. ولما كان الرسول ـ ﷺ ـ أوسطهم قال :﴿ويكون الرسول﴾ أي لا غيره بما اقتضاه اختصاصه بكونه وسط الوسط ﴿عليكم﴾ خاصة ﴿شهيداً﴾ بأنكم تابعتموه وصدقتموه فكنتم خير أمة أخرجت للناس، وبأنه قد بلغكم مدة حياته، فلما مات خلف فيكم كتاباً معجزاً متواتراً لا يغسله الماء ولا تحرقه النار، لأنه محفوظ في الصدور متلو بالألسن إلى أن يأتي أمر الله، ولذلك عبر بأداة الاستعلاء فافهم صوغ الكلام هكذا : إنهم حازوا شرفين أنه لا يشهد عليهم إلا الرسول، وأنه لا يحتاج في الشهادة على سائر الأمم إلى غير شهادتهم دفعاً لتوهم أن غيرهم يشهد عليهم كما شهدوا عليهم، ولتوهم أن غيرهم لا يكتفى في الشهادة عليه إلا بشهادة الرسول كما لم يكتف فيهم إلا بذلك. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٢٦٣﴾.
كلام نفيس لصاحب التحرير والتنوير
و( الناس) عام والمراد بهم الأمم الماضون والحاضرون وهذه الشهادة دنيوية وأخروية. فأما الدنيوية فهي حكم هاته الأمة على الأمم الماضين والحاضرين بتبرير المؤمنين منهم بالرسل المبعوثين في كل زمان وبتضليل الكافرين منهم برسلهم والمكابرين في العكوف على مللهم بعد مجيء ناسخها وظهورِ الحق، وهذا حكم تاريخي ديني عليه إذا نشأت عليه الأمة نشأت على تعود عرض الحوادث كلها على معيار النقد المصيب.


الصفحة التالية
Icon