وقوله تعالى :﴿ صفحاً ﴾ انتصابه كانتصاب ﴿ صنع الله ﴾ [ النمل : ٨٨ ]، فيحتمل أن يكون بمعنى العفو والغفر للذنب، فكأنه يقول : أفنترك تذكيركم وتخويفكم عفواً عنكم وغفراً لإجرامكم إذ كنتم أو من أجل أن كنتم قوماً مسرفين، أي هذا لا يصلح، وهذا قول ابن عباس ومجاهد، ويحتمل قوله :﴿ صفحاً ﴾ أن يكون بمعنى مغفولاً عنه، أي نتركه يمر لا تؤخذون بقبوله ولا بتدبر ولا تنبهون عليه، وهذا المعنى نظير قول الشاعر :[ الطويل ]
تمر الصبا صفحاً بساكن ذي الغضا... ويصدع قلبي إن يهب هبوبها
أي تمر مغفولاً عنها، فكأن هذا المعنى : أفنترككم سدى، وهذا هو منحى قتادة وغيره، ومن اللفظة قول كثير :[ الطويل ]
صفوحاً فما تلقاك إلا بخيلة... فمن ملّ منها ذلك الوصل ملّت
وقرأ السميط بن عمرو السدوسي :" صُفحاً " بضم الصاد. وقرأ نافع وحمزة والكسائي :" إن كنتم " بكسر الألف، وهو جزاء دل ما تقدم على جوابه. وقرأ الباقون والأعرج وقتادة :" أن كنتم " بفتح الألف. بمعنى من أجل أن، وفي قراءة ابن مسعود :" إذ كنتم ". والإسراف في الآية : هو الكفر والضلال البعيد في عبادة غير الله عز وجل والتشريك به.
وقوله تعالى :﴿ وكم أرسلنا من نبي في الأولين ﴾ الآيات تسلية لمحمد عليه السلام، وذكر إسوة له ووعيد لهم وتهديد بأن يصيبهم ما أصاب من هو أشد بطشاً. والأولون : هم الأمم الماضية كقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم، والضمير في قوله :﴿ كانوا يستهزئون ﴾ ظاهره العموم والمراد به الخصوص فيمن استهزأ، وإلا فقد كان في الأولين من لم يستهزئ، والضمير في :﴿ منهم ﴾ عائد على قريش.
وقوله تعالى :﴿ ومضى مثل الأولين ﴾ أي سلف أمرهم وسنتهم، وصاروا عبرة عابر الدهر. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٥ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon