وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ حم* والكتاب المبين ﴾ تقدّم الكلام فيه.
وقيل :"حم" قسم.
"وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ" قسم ثانٍ ؛ وللّه أن يقسم بما شاء.
والجواب "إِنَّا جَعَلْنَاهُ".
وقال ابن الأنباري : من جعل جواب "وَالْكِتَابِ" "حام" كما تقول نزل والله وَجَب والله وقف على "الْكتَابِ الْمُبِينِ".
ومن جعل جواب القسم "إِنَّا جَعَلْنَاهُ" لم يقف على "الْكِتَابِ الْمُبِينِ".
ومعنى :"جَعَلْنَاهُ" أي سمّيناه ووصفناه ؛ ولذلك تعدّى إلى مفعولين ؛ كقوله تعالى :﴿ مَا جَعَلَ الله مِن بَحِيرَةٍ ﴾ [ المائدة : ١٠٣ ].
وقال السُّدّي : أي أنزلناه قرآناً.
مجاهد : قلناه.
الزجاج وسفيان الثَّوْري : بيّناه.
﴿ عَرَبِيّاً ﴾ أي أنزلناه بلسان العرب ؛ لأن كل نبيّ أنزل كتابه بلسان قومه ؛ قاله سفيان الثوري وغيره.
وقال مقاتل : لأن لسان أهل السماء عربيّ.
وقيل : المراد بالكتاب جميع الكتب المنزلة على الأنبياء ؛ لأن الكتاب اسم جنس فكأنه أقسم بجميع ما أنزل من الكتب أنه جعل القرآن عربياً.
والكناية في قوله :﴿ جَعَلْنَاهُ ﴾ ترجع إلى القرآن وإن لم يجر له ذكر في هذه السورة ؛ كقوله تعالى :﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر ﴾ [ القدر : ١ ].
﴿ لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ أي تفهمون أحكامه ومعانيه.
فعلى هذا القول يكون خاصاً للعرب دون العجم ؛ قاله ابن عيسى.
وقال ابن زيد : المعنى لعلكم تتفكرون ؛ فعلى هذا يكون خطاباً عاماً للعرب والعجم.
ونعت الكتاب بالمبين لأن الله بيّن فيه أحكامه وفرائضه ؛ على ما تقدّم في غير موضع.