وقال ابن عاشور :
﴿ حم (١) ﴾
تقدم القول في نظائره ومواقعها قبل ذِكر القرآن وتنزيله.
وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣)
أقسم بالكتاب المبين وهو القرآن على أن القرآن جَعله الله عَربياً واضحَ الدلالة فهو حقيق بأن يُصدّقوا به لو كانوا غير مكابرين، ولكنّهم بمكابرتهم كانوا كمن لا يعقلون.
فالقَسَم بالقرآن تنويه بشأنه وهو توكيد لما تضمنه جواب القَسَم إذ ليس القَسَم هنا برافع لتكذيب المنكرين إذ لا يصدّقون بأن المقسِم هو الله تعالى فإن المخاطَب بالقسم هم المنكرون بدليل قوله :﴿ لعلكم تعقلون ﴾ وتفريععِ ﴿ أفنضرب عنكم الذكر صفحاً ﴾ [ الزخرف : ٥ ] عليه.
وتوكيدُ الجواب بـ ( إنَّ ) زيادة توكيد للخَبَر أن القرآن من جعل الله.
وفي جَعل المقسَم به القرآن بوصف كونه مبيناً، وجَعْللِ جواب القسم أن الله جعله مُبيناً، تنويه خاص بالقرآن إذ جُعل المقسم به هو المقسم عليه، وهذا ضرب عزيز بديع لأنه يُومىء إلى أن المقسم على شأنه بلغ غاية الشرف فإذا أراد المقسِم أن يقسم على ثبوت شرف له لم يجد ما هو أوْلى بالقسم به للتناسب بين القَسَم والمقسم عليه.
وجعل صاحب "الكشاف" من قبيله قولَ أبي تمام :
وثَنَايَاككِ إِنها اغْرِيضُ
وَلآلٍ تُؤْمٌ وبَرقٌ ومَيضُ...
إذْ قدر الزمخشري جملة ( إنها اغريض ) جواب القسم وهو الذي تبعه عليه الطيبي والقزويني في شرحيهما "للكشاف"، وهو ما فسر به التبريزي في شرحه لديوان أبي تمام، ولكن التفتازاني أبطل ذلك في شرح "الكشاف" وجعل جملة ( إنها اغريض ) استئنافاً أي اعتراضاً لبيان استحقاق ثناياها أن يُقسم بها، وجعل جواب القسم قوله بعد أبيات ثلاثة :
لَتَكَادْنَي غِمارٌ من الأحْ
داث لمْ أدْرِ أيَّهُن أخوضُ...
والنكت والخصوصيات الأدبية يَكفي فيها الاحتمال المقبول فإن قوله قبله :
وارتكاضضِ الكرى بعينيككِ في الن