وم فنوناً وما بعيني غموض...
يجوز أن يكون قَسَماً ثانِياً فيكون البيت جواباً له.
وإطلاق اسم الكتاب على القرآن باعتبار أن الله أنزله ليكتب وأنَّ الأمة مأمورون بكتابته وإن كان نزوله على الرّسول ﷺ لفظاً غير مكتوب.
وفي هذا إشارة إلى أنه سيكتب فى المصاحف، والمراد بـ ﴿ الكتاب ﴾ ما نَزل من القرآن قبلَ هذه السورة وقد كتَبه كتَّاب الوحي.
وضمير ﴿ جعلناه ﴾ عائد إلى ﴿ الكتاب ﴾، أي إنا جعلنا الكتاب المبينَ قرآناً والجعل : الإيجاد والتكوين، وهو يتعدّى إلى مفعول واحد.
والمعنى : أنه مقروء دون حضور كتاب فيقتضي أنه محفوظ في الصدور ولولا ذلك لما كانت فائدة للإخبار بأنه مقروء لأن كل كتاب صالح لأن يقرأ.
والإخبار عن الكتاب بأنه قرآن مبالغة في كون هذا الكتاب مقروءاً، أي ميسّراً لأنْ يُقرأ لقوله :﴿ ولقد يسّرنا القرآن للذكر ﴾ [ القمر : ١٧ ] وقوله :﴿ إنّ علينا جمعَه وقُرآنه ﴾ [ القيامة : ١٧ ].
وقوله :﴿ إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون ﴾ [ الحجر : ٩ ].
فحصل بهذا الوصف أن الكتاب المنزل على محمد ﷺ جامع لوصفين : كونِه كتاباً، وكونه مقروءاً على ألسنة الأمة.
وهذا مما اختص به كتاب الإسلام.
و﴿ عربياً ﴾ نسبة إلى العرب، وإذ قد كان المنسوب كتاباً ومقروءاً فقد اقتضى أن نسبته إلى العرب نسبة الكلام واللّغةِ إلى أهلها، أي هو مما ينطق العرب بمِثل ألفاظه، وبأنواع تراكيبه.
وانتصب ﴿ قرآناً ﴾ على الحال من مفعول ﴿ جعلناه ﴾.
ومعنى جعله ﴿ قرآناً عربياً ﴾ تكوينه على ما كُونت عليه لغة العرب، وأن الله بباهر حكمتِه جعل هذا الكتاب قرآناً بلغة العرب لأنها أشرف اللّغات وأوْسعها دلالة على عديد المعاني، وأنزله بين أهل تلك اللّغة لأنهم أفهم لدقائقها، ولذلك اصطفى رسوله من أهل تلك اللّغة لتتظاهر وسائل الدلالة والفهم فيكونوا المبلغين مرادَ الله إلى الأمم.


الصفحة التالية
Icon