ولما بيّن تأثير التمسك بهذا الدين في منافع الدين بيّن أيضاً تأثيره في منافع الدنيا فقال :﴿وإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ أي إنه يوجب الشرف العظيم لك ولقومك حيث يقال إن هذا الكتاب العظيم أنزله الله على رجل من قوم هؤلاء، واعلم أن هذه الآية تدل على أن الإنسان لا بد وأن يكون عظيم الرغبة في الثناء الحسن والذكر الجميل، ولو لم يكن الذكر الجميل أمراً مرغوباً فيه لما منَّ الله به على محمد ﷺ حيث قال :﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ ولما طلبه إبراهيم عليه السلام حيث قال :﴿واجعل لّى لِسَانَ صِدْقٍ فِي الأخرين﴾ [ الشعراء : ٨٤ ] ولأن الذكر الجميل قائم مقام الحياة الشريفة، بل الذكر أفضل من الحياة لأن أثر الحياة لا يحصل إلا في مسكن ذلك الحي، أما أثر الذكر الجميل فإنه يحصل في كل مكان وفي كل زمان.
ثم قال تعالى :﴿وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ﴾ وفيه وجوه الأول : قال الكلبي تسألون هل أديتم شكر إنعامنا عليكم بهذا الذكر الجميل الثاني : قال مقاتل المراد أن من كذب به يسأل لم كذبه، فيسأل سؤال توبيخ الثالث : تسألون هل عملتم بما دل عليه من التكاليف، واعلم أن السبب الأقوى في إنكار الكفار لرسالة محمد ﷺ ولبغضهم له أنه كان ينكر عبادة الأصنام، فبيّن تعالى أن إنكار عبادة الأصنام ليس من خواص دين محمد ﷺ، بل كل الأنبياء والرسل كانوا مطبقين على إنكاره فقال :﴿وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرحمن ءَالِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ وفيه أقوال الأول : معناه واسأل مؤمني أهل الكتاب أي أهل التوراة والإنجيل فإنهم سيخبرونك أنه لم يرد في دين أحد من الأنبياء عبادة الأصنام، وإذا كان هذا الأمر متفقاً عليه بين كل الأنبياء والرسل وجب أن لا يجعلوه سبباً لبغض محمد صلى الله عليه وسلم.


الصفحة التالية
Icon