قوله :﴿ بَرَآءٌ ﴾ : العامَّةُ على فتحِ الباءِ وألفٍ وهمزةٍ بعد الراء. وهو مصدرٌ في الأصل وقع موقعَ الصفةِ وهي بَريْء، وبها قرأ الأعمش ولا يُثَنَّى " براء " ولا يُجْمع ولا يُؤَنث كالمصادر في الغالب. والزعفراني وابن المنادي عن نافع بضم الباء بزنة طُوال وكُرام. يقال : طَويل وطُوال وبَريء وبُراء. وقرأ الأعمش " إنِّي " بنونٍ واحدة.
إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (٢٧)
قوله :﴿ إِلاَّ الذي فَطَرَنِي ﴾ : فيه أربعةُ أوجهٍ، أحدها : أنه استثناءٌ منقطع ؛ لأنَّهم كانوا عبدةَ أصنامٍ فقط. والثاني : أنه متصلٌ ؛ لأنه رُوِي أنهم كانوا يُشْرِكون مع الباري غيرَه.
الثالث : أَنْ يكونَ مجروراً بدلاً مِنْ " ما " الموصولة في قولِه :" ممَّا تعبدُون " قاله الزمخشريُّ. ورَدَّه الشيخ : بأنه لا يجوزُ إلاَّ في نفيٍ أو شبهه قال :" وغَرَّه كونُ براء في معنى النفي، ولا ينفعه ذلك لأنه موجَبٌ ". قلت : قد تأوَّل النحاةُ ذلك في مواضعَ من القرآن كقولِه تعالى :﴿ ويأبى الله إِلاَّ أَن يُتِمَّ ﴾ [ التوبة : ٣٢ ] ﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخاشعين ﴾ [ البقرة : ٤٥ ] والاستثناء المفرغُ لا يكونُ في إيجاب، ولكن لَمَّا كان " يأبى " بمعنى : لا يفعلُ، وإنها لكبيرة بمعنى : لا تَسْهُلُ ولا تَخِفُّ ساغ ذلك، فهذا مثلُه.
الرابع : أَنْ تكونَ " إلاَّ " صفةً بمعنى " غير " على أن تكونَ " ما " نكرةً موصوفةً، قاله الزمخشريُّ قال الشيخ :" وإنما أخرجها في هذا الوجهِ عن كونِها موصولةً ؛ لأنَّه يرى أنَّ " إلاَّ " بمعنى " غير " لا يُوْصَفُ بها إلاَّ النكرة " وفيها خلافٌ. فعلى هذا يجوزُ أَنْ تكونَ " ما " موصولةً و " إلاَّ " بمعنى " غير " صفةً لها.
وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٨)