ثم قال تعالى :﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ والمراد منه التنبيه على آفات الدنيا، وذلك أن من فاز بالمال والجاه صار كالأعشى عن ذكر الله، ومن صار كذلك صار من جلساء الشياطين الضالين المضلين، فهذا وجه تعلق هذا الكلام بما قبله، قال صاحب "الكشاف" : قرىء ﴿وَمَن يَعْشُ﴾ بضم الشين وفتحها، والفرق بينهما أنه إذا حصلت الآفة في بصره قيل عشي، وإذا نظر نظر العشي ولا آفة به، قيل عشى ونظيره عرج لمن به الآفة، وعرج لمن مشى مشية العرجان من غير عرج، قال الحطيئة :
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره.. أي تنظر إليه نظر العشي، لما يضعف بصرك من عظم الوقود واتساع الضوء، وقرىء يعشو على أن من موصولة غير مضمنة معنى الشرط، وحق هذا القارىء أن يرفع ﴿نُقَيِّضْ﴾ ومعنى القراءة بالفتح، ومن يعم عن ذكر الرحمن وهو القرآن، لقوله ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾ [ البقرة : ١٨ ] وأما القراءة بالضم فمعناها ومن يتعام عن ذكره، أي يعرف أنه الحق وهو يتجاهل ويتعامى، كقوله تعالى :
﴿وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتها أَنفُسُهُمْ﴾ [ النمل : ١٤ ]، و ﴿نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً﴾ قال مقاتل : نضم إليه شيطاناً ﴿فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾.


الصفحة التالية
Icon