فصل
قال الفخر :
وقوله تعالى :﴿يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون﴾
وقد ذكرنا مراراً أن عادة القرآن جارية بتخصيص لفظ العباد، بالمؤمنين المطيعين المتقين، فقوله ﴿يا عِبَادِ﴾ كلام الله تعالى، فكأن الحق يخاطبهم بنفسه ويقول لهم ﴿ياعباد لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ وفيه أنواع كثيرة مما يوجب الفرح أولها : أن الحق سبحانه وتعالى خاطبهم بنفسه من غير واسطة وثانيها : أنه تعالى وصفهم بالعبودية، وهذا تشريف عظيم، بدليل أنه لما أراد أن يشرف محمداً ﷺ ليلة المعراج، قال :
﴿سُبْحَانَ الذى أسرى بِعَبْدِهِ﴾ [ الإسراء : ١ ] وثالثها : قوله ﴿لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم﴾ فأزال عنهم الخوف في يوم القيامة بالكلية، وهذا من أعظم النعم ورابعها : قوله ﴿وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ فنفى عنهم الحزن بسبب فوت الدنيا الماضية.
ثم قال تعالى :﴿الذين ءَامَنُواْ بآياتنا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ﴾ قيل ﴿الذين آمَنُواْ﴾ مبتدأ، وخبره مضمر، والتقدير يقال لهم : أدخلوا الجنة، ويحتمل أن يكون المعنى أعني الذين آمنوا، قال مقاتل : إذا وقع الخوف يوم القيامة، نادى منادٍ ﴿ياعباد لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم﴾ فإذا سمعوا النداء رفع الخلائق رؤوسهم، فيقال ﴿الذين ءَامَنُواْ بآياتنا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ﴾ فتنكس أهل الأديان الباطلة رؤوسهم الحكم الثالث : من وقائع القيامة، أنه تعالى إذا أمن المؤمنين من الخوف والحزن، وجب أن يمر حسابهم على أسهل الوجوه وعلى أحسنها، ثم يقال لهم ﴿ادخلوا الجنة أَنتُمْ وأزواجكم تُحْبَرُونَ﴾ والحبرة المبالغة في الإكرام فيما وصف بالجميل، يعني يكرمون إكراماً على سبيل المبالغة، وهذا مما سبق تفسيره في سورة الروم.