ثم قال تعالى :﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ﴾ أي ما ضربوا لك هذا المثل إلا لأجل الجدل والغلبة في القول لا لطلب الفرق بين الحق والباطل ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ مبالغون في الخصومة، وذلك لأن قوله ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله﴾ لا يتناول الملائكة وعيسى، وبيانه من وجوه الأول : أن كلمة ما لا تتناول العقلاء ألبتة والثاني : أن كلمة ما ليست صريحة في الاستغراق بدليل أنه يصح إدخال لفظتي الكل والبعض عليه، فيقال إنكم وكل ما تعبدون من دون الله، أو إنكم وبعض ما تبعدون من دون الله الثالث : أن قوله إنكم وكل ما تعبدون من دون الله أو وبعض ما تعبدون خطاب مشافهة فلعله ما كان فيهم أحد يعبد المسيح والملائكة الرابع : أن قوله ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله﴾ هب أنه عام إلا أن النصوص الدالة على تعظيم الملائكة وعيسى أخص منه، والخاص مقدم على العام.
المسألة الرابعة :
القائلون بذم الجدل تمسكوا بهذه الآية إلا أنا قد ذكرنا في تفسير قوله تعالى :﴿مَا يجادل فِى ءايات الله إِلاَّ الذين كَفَرُواْ﴾ [ غافر : ٤ ] أن الآيات الكثيرة دالة على أن الجدل موجب للمدح والثناء، وطريق التوفيق أن تصرف تلك الآيات إلى الجدل الذي يفيد تقرير الحق، وأن تصرف هذه الآية إلى الجدل الذي يوجب تقرير الباطل.