أنه تعالى وصف عذاب جهنم في حق المجرمين بصفات ثلاثة أحدهما : الخلود، وقد ذكرنا في مواضع كثيرة أنه عبارة عن طول المكث ولا يفيد الدوام وثانيها : قوله :﴿لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ﴾ أي لا يخفف ولا ينقص من قولهم فترت عنه الحمى إذا سكنت ونقص حرها وثالثها : قوله ﴿وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾ والمبلس اليائس الساكت سكوت يائس من فرج، عن الضحاك يجعل المجرم في تابوت من نار، ثم يقفل عليه فيبقى فيه خالداً لا يرى، قال صاحب "الكشاف" : وقرىء ﴿وَهُمْ فِيهَا﴾ أي وهم في النار.
المسألة الثالثة :
احتج القاضي بقوله تعالى :﴿وَمَا ظلمناهم ولكن كَانُواْ هُمُ الظالمين﴾ فقال إن كان خلق فيهم الكفر ليدخلهم النار فما الذي نفه بقوله ﴿وَمَا ظلمناهم﴾ وما الذي نسبه إليهم مما نفاه عن نفسه ؟ أو ليس لو أثبتناه ظلماً لهم كان لا يزيد على ما يقوله القوم، فإن قالوا ذلك الفعل لم يقع بقدرة الله عزّ وجل فقط، بل إنما وقع بقدرة الله مع قدرة العبد معاً، فلم يكن ذلك ظلماً من الله.
قلنا : عندكم أن القدرة على الظلم موجبة للظلم، وخالق تلك القدرة هو الله تعالى، فكأنه تعالى لما فعل مع خلق الكفر قدرة على الكفر خرج عن أن يكون ظالماً لهم، وذلك محال لأن من يكون ظالماً في فعل، فإذا فعل معه ما يوجب ذلك الفعل يكون بذلك أحق، فيقال للقاضي قدرة العبد هل هي صالحة للطرفين أو هي متعينة لأحد الطرفين ؟ فإن كانت صالحة لكلا الطرفين فالترجيح إن وقع لا لمرجع لزم نفي الصانع، وإن افتقر إلى مرجح عاد التقسيم الأول فيه، ولا بد وأن ينتهي إلى داعية مرجحة يخلقها الله في العبد، وإن كانت متعينة لأحد الطرفين فحينئذٍ يلزمك ما أوردته علينا.
واعلم أنه ليس الرجل من يرى وجه الاستدلال فيذكره، إنما الرجل الذي ينظر فيما قبل الكلام وفيما بعده، فإن رآه وارداً على مذهبه بعينه لم يذكره، والله أعلم.
المسألة الرابعة :