ثم بيّن تعالى أن مالكاً لما أجابهم بقوله ﴿إِنَّكُمْ ماكثون﴾ ذكر بعده ما هو كالعلة لذلك الجواب فقال :﴿لَقَدْ جئناكم بالحق ولكن أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقّ كارهون﴾ والمراد نفرتهم عن محمد وعن القرآن وشدة بغضهم لقبول الدين الحق، فإن قيل كيف قال :﴿وَنَادَوْاْ يامالك﴾ بعد ما وصفهم بالإبلاس ؟ قلنا تلك أزمنة متطاولة وأحقاب ممتدة، فتختلف بهم الأحوال فيسكتون أوقاتاً لغلبة اليأس عليهم ويستغيثون أوقاتاً لشدة ما بهم، روي أنه يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب، فيقولون ادعوا مالكاً فيدعون ﴿يامالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ ولما ذكر الله تعالى كيفية عذابهم في الآخرة ذكر بعده كيفية مكرهم وفساد باطنهم في الدنيا فقال :﴿أَمْ أَبْرَمُواْ أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ﴾ والمعنى أم أبرموا أي مشركو مكة أمراً من كيدهم ومكرهم برسول الله، فإنا مبرمون كيدنا كما أبرموا كيدهم كقوله تعالى :
﴿أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فالذين كَفَرُواْ هُمُ المكيدون﴾ [ الطور : ٤٢ ] قال مقاتل : نزلت في تدبيرهم في المكر به في دار الندوة، وهو ما ذكره الله تعالى في قوله تعالى :﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الذين كَفَرُواْ﴾ [ الأنفال : ٣٠ ] وقد ذكرنا القصة.
ثم قال :﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ ونجواهم﴾ السر ما حدث به الرجل نفسه أو غيره في مكان خال، والنجوى ما تكلموا به فيما بينهم ﴿بلى﴾ نسمعها ونطلع عليها ﴿وَرُسُلُنَا﴾ يريد الحفظة ﴿يَكْتُبُونَ﴾ عليهم تلك الأحوال، وعن يحيى بن معاذ من ستر من الناس ذنوبه وأبداها للذي لا يخفى عليه شيء في السموات فقد جعله أهون الناظرين إليه وهو من علامات النفاق. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٧ صـ ١٩٤ ـ ١٩٥﴾