وقال ابن عطية :
﴿ وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) ﴾
روي عن ابن عباس وغيره في تفسير هذه الآية، أنه لما نزلت :﴿ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم، خلقه من تراب ثم قال له كن، فيكون ﴾ [ آل عمران : ٥٩ ] ونزل مع ذلك ذكر عيسى وحاله وكيف خلق من غير فحل، قالت فرقة : ما يريد محمد من ذكر عيسى إلا أن نعبده نحن كما عبدت النصارى عيسى، فهذا كان صدورهم من ضربه مثلاً.
وقرأ نافع وابن عامر والكسائي وأبو جعفر والأعرج والنخعي وأبو رجاء وابن وثاب :" يصُدون " بضم الصاد، بمعنى : يعرضون. وقرأ الباقون وابن عباس وابن جبير والحسن وعكرمة :" يصِدون " بكسر الصاد، بمعنى يضحكون، وأنكر ابن عباس ضم الصاد، ورويت عن علي بن أبي طالب، وقال الكسائي : هما لغتان بمعنى واحد، مثل " يعرُشون ويعرِشون ".
وقوله تعالى :﴿ آلهتنا ﴾ ابتداء معنى ثان، وذلك أنه لما نزلت ﴿ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ﴾ [ الأنبياء : ٩٨ ] جاء عبد الله بن الزعبري ونظراؤه فقالوا : نحن نخصم محمداً : آلهتنا خير أم عيسى؟ وعلموا أن الجواب أن يقال عيسى، قالوا، وهذه آية الحصب لنا أو لكل الأمم من الكفار فقال النبي عليه السلام :" بل لكل من تقدم أو تأخر من الكفار، " فقالوا نحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى، إذ هو خير منها، وإذ قد عبد فهو من الحصب إذاً، فقال :﴿ ما ضربوه لك إلا جدلاً ﴾ أي ما مثلوا هذا التمثيل إلا جدلاً منهم ومغالطة، ونسوا أن عيسى لم يعبد برضى منه ولا عن إرادة، ولا له في ذلك ذنب.