وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين ﴾
اختلف في معناه ؛ فقال ابن عباس والحسن والسُّدّي : المعنى ما كان للرحمن ولد، ف "إن" بمعنى ما، ويكون الكلام على هذا تاماً، ثم تبتدىء :"فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ" أي الموحدين من أهل مكة على أنه لا ولد له.
والوقف على "الْعَابِدِينَ" تام.
وقيل : المعنى قل يا محمد إن ثبت للّه ولد فأنا أوّل من يعبد ولَده، ولكن يستحيل أن يكون له ولد ؛ وهو كما تقول لمن تناظره : إن ثبت ما قلت بالدليل فأنا أوّل من يعتقده ؛ وهذا مبالغة في الاستبعاد ؛ أي لا سبيل إلى اعتقاده.
وهذا ترقيق في الكلام ؛ كقوله :﴿ وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ [ سبأ : ٢٤ ].
والمعنى على هذا : فأنا أوّل العابدين لذلك الولد، لأن تعظيم الولد تعظيم للوالد.
وقال مجاهد : المعنى إن كان للرحمن ولد فأنا أوّل من عبده وحده، على أنه لا ولد له.
وقال السُّدّي أيضاً : المعنى لو كان له ولد كنت أوّل من عبده على أن له ولداً ؛ ولكن لا ينبغي ذلك.
قال المهدويّ : ف "إن" على هذه الأقوال للشرط، وهو الأجود، وهو اختيار الطبري، لأن كونها بمعنى ما يتوهم معه أن المعنى لم يكن له فيما مضى.
وقيل : إن معنى "الْعَابِدِينَ" الآنفين.
وقال بعض العلماء : لو كان كذلك لكان العَبِدِينَ.
وكذلك قرأ أبو عبد الرحمن واليماني "فَأَنَا أَوَّلُ الْعَبِدِينَ" بغير ألف، يقال : عَبِدَ يَعْبَدَ عَبَداً ( بالتحريك ) إذا أنِف وغضِب فهو عَبِد، والاسم العَبَدة مثل الأنفة، عن أبي زيد.
قال الفرزدق :
أولئك أجلاسي فجئني بمثلهم...
وأَعْبُدُ أن أهْجُو كُلَيْباً بدارِمِ
وينشد أيضاً :
أولئك ناس إن هَجَوْنِي هجوتهم...
وأَعْبُدُ أن يُهجي كُلَيْبٌ بدارمِ


الصفحة التالية
Icon