وقال القرطبى :
﴿ وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) ﴾
لما قال تعالى :﴿ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرحمن آلِهَةً يُعْبَدُونَ ﴾ تعلّق المشركون بأمر عيسى وقالوا : ما يريد محمد إلا أن نتخذه إلها كما اتخذت النصارى عيسى ابن مريم إلها ؛ قاله قتادة.
ونحوه عن مجاهد قال : إن قريشاً قالت إن محمداً يريد أن نعبده كما عبد قوم عيسى عيسى ؛ فأنزل الله هذه الآية.
وقال ابن عباس : أراد به مناظرة عبد الله بن الزِّبَعْرَى مع النبيّ ﷺ في شأن عيسى، وأن الضارب لهذا المثل هو عبد الله بن الزِّبَعْرَى السَّهْمِيّ حالة كفره لما قالت له قريش إن محمداً يتلو :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ [ الأنبياء : ٩٨ ] الآية، فقال : لو حضرته لرددت عليه ؛ قالوا : وما كنت تقول له؟ قال : كنت أقول له هذا المسيح تعبده النصارى، واليهود تعبد عُزَيْراً، أفهما من حصب جهنم؟ فعجبت قريش من مقالته ورأوا أنه قد خُصِم ؛ وذلك معنى قوله :"يَصِدُّونَ" فأنزل الله تعالى :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ [ الأنبياء : ١٠١ ].
ولو تأمل ابن الزبعرى الآية ما اعترض عليها ؛ لأنه قال :"وَمَا تَعْبُدُونَ" ولم يقل ومن تعبدون وإنما أراد الأصنام ونحوها مما لا يعقِل، ولم يرد المسيح ولا الملائكة وإن كانوا معبودين.
وقد مضى هذا في آخر سورة "الأنبياء".
وروى ابن عباس " أن رسول الله ﷺ قال لقريش :"يا معشر قريش لا خير في أحد يُعبد من دون الله".
قالوا : أليس تزعم أن عيسى كان عبداً نبيًّا وعبداً صالحاً، فإن كان كما تزعم فقد كان يُعبد من دون اللها.


الصفحة التالية
Icon