فلا يقتضي ثبوت أحدهما ولا نفيه ثبوت الآخر ولا نفيه، فلا ارتباط بين طرفيها في المعنى أصلاً وإنما هو في اللفظ فقط.
فكون زيد في السماء لا علاقة له بعدم نجاته من الموت أصلاً، ولا ارتباط بينهما إلا في اللفظ.
فهو كقولك : إن كان الإنسان ناطقاً فالفرس صاهل.
وقد قدمنا إيضاح الفرق بين الشرطية اللزومية والشرطية الاتفاقية في سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَإِن تَدْعُهُمْ إلى الهدى فَلَنْ يهتدوا إِذاً أَبَداً ﴾ [ الكهف : ٥٧ ] فراجعه.
ومعلوم أن قوله ﴿ قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ ﴾ لم يقل أحد إنها شرطية اتفاقية ولم يدع أحد، أنها لا علاقة بين طرفيها أصلاً.
ومثال وقوع ذلك لأجل خصوص المادة فقط، ما مثل به الفخر الرازي لهذه الآية الكريمة، مع عدم انتباهه لشدة المنافاة بين الآية الكريمة وبين ما مثل لها به، فإنه لما قال : إن الشرط الذي هو ﴿ قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ ﴾ باطل، والجزاء الذي هو :﴿ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين ﴾ صحيح.
مثل لذلك بقوله : إن كان الإنسان حجراً فهو جسم، يعني أن قوله : إن كان الإنسان حجراً شرط باطل فهو كقوله تعالى ﴿ قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَد ﴾ فكون الإنسان حجراً وكون الرحمن ذا ولد كلاهما شرط باطل.
فلما صح الجزاء المرتب على الشرط الباطل في قوله : إن كان الإنسان حجراً فهو جسم دل ذلك على أن الجزاء الصحيح في قوله :﴿ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين ﴾ يصح ترتيبه على الشرط الباطل الذي هو ﴿ إِن كَانَ للرحمن وَلَد ﴾.
وهذا غلط فاحش جداً، وتسوية بين المتنافيين غاية المنافاة، لأن الجزاء المرتب على الشرط الباطل في قوله : إن كان الإنسان حجراً فإنما هو جسم إنما صدق لأجل خصوص المادة لا لمعنى اقتضاه الربط ألبتة.
وإيضاح ذلك أن النسبة بين الجسم والحجر، والنسبة بين الإنسان والجسم هي العموم والخصوص المطلق في كليهما.