فالجسم أعم مطلقاً من الحجر، والحجر أخص مطلقاً من الجسم، كما أن الجسم أعم من الإنسان أيضاً عموماً مطلقاً، والإنسان أخص من الجسم أيضاً خصوصاً مطلقاً : فالجسم جنس قريب للحجر، وجنس بعيد للإنسان، وإن شئت قلت : جنس متوسط له.
وإيضاح ذلك أن تقول في التقسيم الأول :
الجسم إما نام أي يكبر تدريجاً أو غير نام، فغير النامي كالحجر مثلاً، ثم تقسم النامي تقسيماً ثانياً؟ فتقول :
النامي إما حساس أو غير حساس، فغير الحساس منه كالنبات.
ثم تقسم الحساس تقسيماً ثالثاً فتقول :
الحساس إما ناطق أو غير ناطق، والناطق منه هو الإنسان.
فاتضح أن كلاً من الإنسان والحجر يدخل في عموم الجسم، والحكم بالأعم على الأخص صادق في الإيجاب بلا نزاع ولا تفصيل.
فقولك : الإنسان جسم صادق في كل تركيب، ولا يمكن أن يكذب بوجه، وذلك للملابسة الخاصة بينهما من كون الجسم جنساً للإنسان، وكون الإنسان فرداً من أفراد أنواع الجسم، فلأجل خصوص هذه الملابسة بينهما، كان الحكم على الإنسان بأنه جسم صادقاً، على كل حال، سواء كان الحكم بذلك، غير معلق على شيء أو كان معلقاً على باطل أو حق.
فالاستدلال يصدق هذا المثال على صدق الربط بين الشرط والجزاء في قوله تعالى ﴿ قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين ﴾ بطلانه كالشمس في رابعة النهار.
والعجب كل العجب من عاقل يقوله، لأن المثال المذكور إنما صدق لأن الإنسان يشمله مسمى الجسم.
أما من كان له ولد فالنسبة بينه وبين المعبود الحق هي تباين المقابلة، لأن المقابلة بين المعبود بحق وبين والد أو ولد هي المقابلة بين الشيء ومساوي نقيضه.
لأن من يولد أو يولد له لا يمكن أن يكون معبوداً بحق بحال.
وإيضاح المنافاة بين الأمرين أنك لو قلت : الإنسان جسم لقلت الحق ولو قلت : المولود له معبود، أو المولود معبود. قلت الباطل الذي هو الكفر البواح.


الصفحة التالية
Icon