ومما يوضح ما ذكرنا إجماع جميع النظار على أنه إن كانت إحدى مقدمتي الدليل باطلة، وكانت النتيجة صحيحة أن ذلك لا يكون إلا لأجل خصوص المادة فقط، وأن ذلك الصدق لا عبرة به، فحكمه الكذب ولا يعتبر إلا الصدق اللازم المضطرد في جميع الأحوال.
فلو قلت مثلاً : كل إنسان حجر، وكل حجر جسم، لأنتج من الشكل الأول كل إنسان جسم، وهذه النتيجة في غاية الصدق كما ترى.
مع أن المقدمة الصغرى، من الدليل التي هو قولك : كل إنسان حجر في غاية الكذب كما ترى.
وإنما صدقت النتيجة لخصوص المادة كما أوضحنا، ولولا ذلك لكانت كاذبة لأن النتيجة لازم الدليل والحق لا يكون لازماً للباطل فإن وقع شيء من ذلك فلخصوص المادة كما أوضحنا.
وبهذا التحقيق تعلم، أن الشرط الباطل لا يلزم وتطرد صحة ربطه إلا بجزاء باطل مثله.
وما يظنه بعض أهل العلم من أن قوله تعالى ﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الذين يَقْرَءُونَ الكتاب مِن قَبْلِكَ ﴾ [ يونس : ٩٤ ] كقوله تعالى ﴿ قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين ﴾ [ الزخرف : ٨١ ] فهو غلط فاحش والفرق بين معنى الآيتين شاسع فظن استوائها في المعنى باطل.
وإيضاح ذلك أن قوله تعالى :﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ ﴾ الآية معناه المقصود منه جار على الأسلوب العربي، ولا إيهام فيه، لأنا أوضحنا سابقاً أن مدار صدق الشرطية على صحة الربط بين شرطها وجزئها، فهي صادقة ولو كذب طرفاها عند إزالة الربط كما تقدم إيضاحه قريباً.


الصفحة التالية
Icon