﴿ إِنْ هُوَ ﴾ أي ما عيسى ابن مريم ﴿ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ ﴾ بالنبوة وروادفها فهو مرفوع المنزلة على القدر لكن ليس له من استحقاق المعبودية من نصيب، كلام حكيم مشتمل على ما اشتمل عليه قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ ﴾ [ الأنبياء : ١٠١ ] ولكن على سبيل الرمز وعلى فساد رأي النصارى في إيثارهم عبادته عليه السلام تعريضاً بمكان عبادة قريش غيره سبحانه وتعالى، وقوله تعالى :﴿ وجعلناه مَثَلاً ﴾ أي أمراً عجيباً حقيقاً بأن يسير ذكره كالأمثال السائرة ﴿ لّبَنِى إسرائيل ﴾ حيث خلقناه من غير أب وجعلنا له من أحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ونحو ذلك ما لم نجعل لغيره في زمانه، كلام أجمل فيه وجه الافتتان به وعليه، ووجه دلالته على قدرة خالقه تعالى شأنه وبعد استحقاقه عليه السلام عما قرف به إفراطاً وتفريطاً، وقوله سبحانه :
﴿ وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا ﴾ الخ تذييل لوجه دلالته على القدرة وأن الافتتان من عدم التأمل وتضمين للإنكار على من اتخذ الملائكة آلهة كما اتخذ عيسى عليهم السلام أي ولو نشاء لقدرتنا على عجائب الأمور وبدائع الفطر لجعلنا بطريق التوليد ومآله لولدنا ﴿ مّنكُمْ ﴾ يا رجال ﴿ مَلَئِكَةٌ ﴾ كما ولدنا عيسى من غير أب ﴿ فِى الأرض يَخْلُفُونَ ﴾ أي يخلفونكم في الأرض كما يخلفكم أولادكم أو يكونون خلفاً ونسلاً لكم ليعرف تميزنا بالقدرة الباهرة وليعلم أن الملائكة ذوات ممكنة تخلق توليداً كما تخلق إبداعاً فمن أين لهم استحقاق الألوهية والانتساب إليه سبحانه وتعالى بالبنوة، وجوز أن يكون معنى لجعلنا الخ لحولنا بعضكم ملائكة فمن ابتدائية أو تبعيضية و﴿ مَلَئِكَةٌ ﴾ مفعول ثان أو حال، وقيل : من للبدل كما في قوله تعالى :﴿ أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ﴾ [ التوبة : ٣٨ ] وقوله :
ولم تذق من البقول الفستقا...


الصفحة التالية
Icon