وقيل : أراد الرؤساء، والقادة، ومن عداهم أتباع لهم ﴿ أَمْ أَبْرَمُواْ أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ﴾ أم هي : المنقطعة التي بمعنى بل، والهمزة، أي : بل أبرموا أمراً.
وفي ذلك انتقال من توجع أهل النار إلى حكاية ما يقع من هؤلاء، والإبرام : الإتقان، والإحكام، يقال : أبرمت الشيء : أحكمته، وأتقنته، وأبرم الحبل : إذا أحكم فتله، والمعنى : بل أحكموا كيداً للنبي ﷺ، فإنا محكمون لهم كيداً قاله مجاهد، وقتادة، وابن زيد، ومثل هذا قوله تعالى :﴿ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فالذين كَفَرُواْ هُمُ المكيدون ﴾ [ الطور : ٤٢ ] وقيل : المعنى : أم قضوا أمراً، فإنا قاضون عليهم أمرنا بالعذاب، قاله الكلبي.
﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ ونجواهم ﴾ أي : بل أيحسبون أنا لا نسمع ما يسرّون به في أنفسهم، أو ما يتحادثون به سرًّا في مكان خالٍ، وما يتناجون به فيما بينهم ﴿ بلى ﴾ نسمع ذلك، ونعمل به ﴿ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾ أي : الحفظة عندهم يكتبون جميع ما يصدر عنهم من قول، أو فعل، والجملة في محل نصب على الحال، أو معطوفة على الجملة التي تدلّ عليها بلى.
ثم أمر الله سبحانه رسوله ﷺ أن يقول للكفار قولاً يلزمهم به الحجة، ويقطع ما يوردونه من الشبهة، فقال :﴿ قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين ﴾ أي : إن كان له ولد في قولكم، وعلى زعمكم، فأنا أوّل من عبد الله وحده، لأن من عبد الله وحده، فقد دفع أن يكون له ولد، كذا قال ابن قتيبة.
وقال الحسن، والسدّي : إن المعنى : ما كان للرحمن ولد، ويكون قوله :﴿ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين ﴾ ابتداء كلام، وقيل : المعنى : قل يا محمد إن ثبت لله ولد، فأنا أول من يعبد هذا الولد الذي تزعمون ثبوته، ولكنه يستحيل أن يكون له ولد.