وقال الشيخ سيد قطب :
تعريف بسورة الدخان
يشبه إيقاع هذه السورة المكية، بفواصلها القصيرة، وقافيتها المتقاربة، وصورها العنيفة، وظلالها الموحية.. يشبه أن يكون إيقاعها مطارق على أوتار القلب البشري المشدودة.
ويكاد سياق السورة أن يكون كله وحدة متماسكة، ذات محور واحد، تشد إليه خيوطها جميعاً. سواء في ذلك القصة، ومشهد القيامة، ومصارع الغابرين، والمشهد الكوني، والحديث المباشر عن قضية التوحيد والبعث والرسالة. فكلها وسائل ومؤثرات لإيقاظ القلب البشري واستجاشته لاستقبال حقيقة الإيمان حية نابضة، كما يبثها هذا القرآن في القلوب.
وتبدأ السورة بالحديث عن القرآن وتنزيله في ليلة مباركة فيها يفرق كل أمر حكيم، رحمة من الله بالعباد وإنذاراً لهم وتحذيراً. ثم تعريف للناس بربهم: رب السماوات والأرض وما بينهما، وإثبات لوحدانيته وهو المحيي والمميت رب الأولين والآخرين.
ثم يضرب عن هذا الحديث ليتناول شأن القوم:(بل هم في شك يلعبون)! ويعاجلهم بالتهديد المرعب جزاء الشك واللعب:(فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم).. ودعاءهم بكشف العذاب عنهم وهو يوم يأتي لا يكشف. وتذكيرهم بأن هذا العذاب لم يأت بعد، وهو الآن عنهم مكشوف، فلينتهزوا الفرصة، قبل أن يعودوا إلى ربهم، فيكون ذلك العذاب المخوف:(يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون)..
ومن هذا الإيقاع العنيف بمشهد العذاب ومشهد البطشة الكبرى والانتقام ; ينتقل بهم إلى مصرع فرعون وملئه يوم جاءهم رسول كريم، وناداهم: أن أدوا إليَّ عباد الله إني لكم رسول أمين. وألا تعلوا على الله.. فأبوا أن يسمعوا حتى يئس منهم الرسول. ثم كان مصرعهم في هوان بعد الاستعلاء والاستكبار:(كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين. كذلك وأورثناها قوماً آخرين. فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين)..


الصفحة التالية
Icon