وفي غمرة هذا المشهد الموحي يعود إلى الحديث عن تكذيبهم بالآخرة، وقولهم:(إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين، فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين)ليذكرهم بمصرع قوم تبع، وما هم بخير منهم ليذهبوا ناجين من مثل مصيرهم الأليم.
ويربط بين البعث، وحكمة الله في خلق السماوات والأرض، (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين. ما خلقناهما إلا بالحق. ولكن أكثرهم لا يعلمون)..
ثم يحدثهم عن يوم الفصل: (ميقاتهم أجمعين). وهنا يعرض مشهداً عنيفاً للعذاب بشجرة الزقزم، وعتل الأثيم، وأخذه إلى سواء الجحيم، يصب من فوق رأسه الحميم. مع التبكيت والترذيل:(ذق إنك أنت العزيز الكريم. إن هذا ما كنتم به تمترون)..
وإلى جواره مشهد النعيم عميقاً في المتعة عمق مشهد العذاب في الشدة. تمشياً مع ظلال السورة العميقة وإيقاعها الشديد..
وتختم السورة بالإشارة إلى القرآن كما بدأت:(فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون).. وبالتهديد الملفوف العنيف:(فارتقب إنهم مرتقبون).
إنها سورة تهجم على القلب البشري من مطلعها إلى ختامها، في إيقاع سريع متواصل. تهجم عليه بإيقاعها كما تهجم عليه بصورها وظلالها المتنوعة المتحدة في سمة العنف والتتابع. وتطوف به في عوالم شتى بين السماء والأرض، والدنيا والآخرة، والجحيم والجنة، والماضي والحاضر، والغيب والشهادة، والموت والحياة، وسنن الخلق ونواميس الوجود.. فهي - على قصرها نسبياً - رحلة ضخمة في عالم الغيب وعالم الشهود. أ هـ ﴿الظلال حـ ٥ صـ ٣٢٠٦ ـ ٣٢٠٧﴾


الصفحة التالية
Icon