ومن قال إن الضمير في أنزلناه لا يعود للكتاب وأراد بالكتاب اللوح المحفوظ المقدس أعاده إلى غير موجود لمعلوميته كما في قوله (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) كما أشرنا إليه في الآية ٣٤ من الشورى المارة، قال تعالى "رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ" أيها الناس "مُوقِنِينَ" ٧ به عن علم فهو رب هذين الهيكلين العظيمين ومن فيهما ومرسل الرسل رحمة ومنزل الكتب هدى، وهذا كما تقول إن هذا الإنعام الكثير هو انعام فلان الذي تسامع الناس بكرمه وداع صيته لدى الخاص والعام، أي بلغك حديثه أو حدثت عنه أو ذكرت لك قصته "لا إِلهَ إِلَّا هُوَ" عنى القطع والجزم هو الذي "يُحْيِي وَيُمِيتُ" وهل تعلم أحدا يقدر على هذا غيره، كلا ثم كلا، هذا هو الإله العظيم القهار "رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ" ٨ لا ربّ غيره، وإن هذه الأصنام ليست بآلهة لأحد وليست بقدرة على شيء من ذلك بل عاجزة عن كل شيء، قال تعالى مخبرا نبيه بعدم إيقانهم بذلك "بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ" منه، ولذلك تراهم "يَلْعَبُونَ" ٩ فلم يتأثروا من هذه الآيات ولم يلقوا لها بالا ولم يوقروا مبلغها لهم بل يسخرون منه ويستهزئون به "فَارْتَقِبْ" يا سيد الرسل عذابهم "يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ" ١٠ يراه كل أحد وذلك أن الهواء يتكدر في سني الجدب والقحط لما يخالطه من الغبار فيراه الرائي كأنه دخان حتى ان الجائع يصير على بصره مثل الغشاوة فيرى الفضاء ما بينه وبين السماء كأنه دخان
"يَغْشَى النَّاسَ" أجمع حتى يقولوا من شدة جزعهم منه "هذا عَذابٌ أَلِيمٌ" ١١ لا يطيقه البشر، ولهذا سماه عذابا ووصفه بكونه مؤلما، لأنه ناشىء عن شدة الجوع.
مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبّع :