وليعلم أن هذا الدخان ليس بالدخان الذي هو آية من آيات الساعة، لأن ذلك لم يحضره حضرة الرسول، ولو كان المراد هو لما خاطبه به بقوله تعالى :
(فَارْتَقِبْ) وإنما هو ما ذكرنا واللّه أعلم، وذلك لمن حضرة الرسول صلّى اللّه عليه وسلم لما رأى قومه لا يزالون يتمادون في الإنكار والكذب دعا عليهم فقال : اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف، اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف.
فأجاب اللّه دعاءه فأخذتهم سنة قد حصت أي أهلكت كل شيء حتى أكلوا الجيف والجلود وقد أثر فيهم الجوع حتى صار أحدهم يرى الفضاء كهيئة الدخان، فأتاه أبو سفيان فقال يا محمد إنك جئت تأمر بطاعة اللّه وبصلة الرحم وإن قومك أنهكهم الجوع، فادع اللّه لهم يرفع عنهم ما حل بهم وإلا هلكوا.
فأنزل اللّه هذه الآية إلى قوله (عائِدُونَ).
يؤيد هذا ما رواه البخاري ومسلم عن مسروق قال : كنا جلوسا عند عبد اللّه ابن مسعود وهو مضطجع بيننا، فأتاه رجل فقال يا أبا عبد الرحمن إن قاصّا عند باب كنده يقصّ ويزعم أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار ويأخذ المؤمنين كهيئة الزكام، فقام عبد اللّه وجلس وهو غضبان فقال يا أيها الناس اتقوا اللّه، من علم منكم شيئا فليقل به ومن لا يعلم شيئا فليقل اللّه أعلم، فإن من العلم أن يقول، اللّه أعلم، فإن اللّه عز وجل قال لنبيه صلّى اللّه عليه وسلم (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) الآية ٨٨ من سورة ص في ج ١، إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لما رأى الناس إدبارا، قال اللهم سبعا كسبع يوسف.
وفي رواية للبخاري قالوا "رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ" ١٢ فقيل له إن كشفنا عنهم القحط عادوا فدعا ربه فكشف عنهم وسقوا الغيث، وأطبقت السماء عليهم فشكوا كثرة المطر فلجأوا إليه صلّى اللّه عليه وسلم، فقال اللهم حوالينا ولا علينا فكشف عنهم.