الذين كانوا يحملون القرابين، وخرج الحبران يتلوان التوراة، ونكصت النار حتى رجعت إلى المحل الذي خرجت منه فأعلن تبع إيمانه باللّه وأصر قومه على الكفر، فذمهم اللّه "وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم الكافرة وأخبر عن مصيرهم بقوله جل قوله "أَهْلَكْناهُمْ" بكفرهم وعدم انقيادهم للإيمان كما أهلكنا قوم تبع هؤلاء بسبب عنادهم.
قالوا وكان هذان ومن معهم أصل اليهود في اليمن، وان تبعا آمن بمحمد حسب إخبارهما له عنه قبل مبعثه وولادته، وكان بينه وبين مبعثه سبعمئة سنة، ومما نسب لتبع هذا قوله :
وكسونا البيت الذي حرم اللّه حلاء معصيا وبرودا
وأقمنا به من الشهر عشرا وجعلنا لنا به إقليدا
وخرجنا منه نؤم سهيلا قد رفعنا لواءنا معقودا
هذا وأخرج أحمد بن حنبل في مسنده عن سهيل بن سعد قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم.
وأخرج الحاكم وصححه عن عائشة قالت : لا تسبوا تبعا فإنه كان رجلا صالحا، ألا ترى أن اللّه تعالى ذم قومه ولم يذمه.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : لا تقولوا في تبع إلا خيرا فإنه قد حج البيت وآمن بما جاء به عيسى بن مريم.
وهذا يدل على أنه بعد مبعث عيسى عليه السلام، والأول أصح لأن الحبرين لم يذكرا عن عيسى شيئا، ولعله آمن بما جاء به موسى لأن الحبرين من أتباعه، والحادثة هذه قبل الميلاد بمئة وثلاثين سنة تقريبا، أو أنه عاش لمبعث عيسى عليهم السلام، قالوا وإن الحبرين أخبراه لا يدرك محمدا صلّى اللّه عليه وسلم فأوصى الأوس والخزرج أن يقيموا بالمدينة وأن يؤازروه إذا خرج وهم أحياء، وأن يوصوا من بعدهم بمؤازرته، وقال رحمه اللّه أيضا :
حدثت بأن رسول المليك يخرج حقا بأرض الحرم
ولو مدّ دهري إلى دهره كنت وزيرا له وابن عم
قالوا وكتب كتابا بإيمانه وأودعه لديهم على أن يعطيه لحضرة الرسول العربي من يبلغ زمانه منهم.