في كل مكان، إذ لا يعجزه شيء، ولجعلها مما يدخر كالزيتون والتين والتمر والزبيب وغيرها، ولذلك ينبغي أن يتحاشى عن أكلها في غير موسمها وقيل نضجها، ويكثر منها وقتها لما فيها من النفع للوجود بصورة لا تؤدي إلى التخمة، قال تعالى "لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ" لأن الجنة محل الخلود دائما "إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى " التي فارقوا الدنيا بها، وإنما ليستثنى الموقة الأولى من موت الجنة مع أنها لا موت فيها البتة، لأن السعداء جعلنا اللّه منهم إذا ماتوا يصيرون بلطف اللّه تعالى إلى أسباب الجنة لما يرون من نعيم برزخ القبر فيلقون فيه الروح والريحان، ويرون منازلهم في الجنة عند خروج أرواحهم، كما مر في الآية ٨٩ من سورة الواقعة فى ج ١، فكأن موتهم في الدنيا كان في الجنة لانصالهم بأسبابها ومشاهدتهم إياها، لأن اللّه تعالى قال في سورة الواقعة المذكورة (إِذا بَلَغَتِ) الروح (الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ) عند بلوغ الروح الحلقوم لا تقدرون على التكلم ولكنكم (تَنْظُرُونَ) منزلتكم في الجنة أو النار، وإنما جعل اللّه تعالى هذه الرؤيا في تلك الحالة حتى لا يقبل فيها إيمان ولا توبة لأنها حالة يأس، وإلا لما مات أحد على الكفر، راجع الآية ٩٠ من سورة يونس المارة وما ترشدك إليه من الآيات المتعلقة في هذا البحث.
قال تعالى "وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ" ٥٦ وقرىء ووقّاهم بالتشديد للتكثير "فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ" أي أن ذلك العطاء بمجرد الفضل من اللّه لأن أعمالهم لا تؤهلهم ذلك ولا بعضه، بل لا يستحقون بعملهم على اللّه شيئا، لأنه مهما كان كثيرا لا يقابل بعض نعم اللّه عليهم "ذلِكَ" وقايتهم من النار وإدخالهم الجنة "هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" ٥٧ الذي لا أعظم منه.