ولما كان فرعون من أقوى من جاءه رسول قبلهم بما كان له من الجنود والأموال والمكنة، وكان الرسول الذي أتاه قد جمع له - ـ ﷺ ـ - الآيات التي اشتملت على التصرف في العناصر الأربعة.
فكان فيها الماء والتراب والنار والهواء، وكانوا إذا أتتهم الآية قالوا : يا أيها الساحر! ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون، فإذا كشف عنهم ذلك عادوا إلى ما كانوا عليه كما أخبر تعالى عن هؤلاء عند مجيء الدخان - إلى غير ذلك مما شابهوهم فيه من الأسرار التي كشفها هذا المضمار، وكان آخر ذلك أن أهلكهم أجمعين، فكانوا أجلى مثل لقوله تعالى في التي قبلها ﴿فأهلكنا أشد منهم بطشاً﴾ [ الزخرف : ٨ ] خصهم بالذكر من بين المفتونين قبل فقال :﴿قوم فرعون﴾ أي مع فرعون لأن ما كان فتنة لقومه كان فتنة له لأن الكبير أرسخ في الفتنة بما أحاط به من الدنيا، وسيأتي التصريح به في آخر القصة ﴿وجاءهم﴾ أي المضافين والمضاف إليه في زيادة فتنتهم ﴿رسول كريم﴾ أي يعلمون شرفه نسباً وأخلاقًا وأفعالاً، ثم زاد بيان كرمه بما ظهر لله به من العناية بما أيده به من المعجزات.
ولما أخبر بمجيئه إليهم بالرسالة التي لا تكون إلا بالقول، فسر ما بلغهم منها بقوله :﴿أن أدوا﴾ أي أوصلوا مع البشر وطيب النفس، وأبرز ذلك في صيغة الأمر الذي لا يسوغ مخالفته ولما كان بين موسى عليه الصلاة والسلام وبين تصرفه في قومه حائل كثيف من ظلم فرعون وقومه، أشار إليه بحرف الغاية فقال :﴿إليّ﴾ ونبهه على أنه لا حكم له عليهم بقوله ﴿عباد الله﴾ أي بني إسرائيل الذين استعبدتموهم ظلماً وليست عليهم عبودية إلا للذي أظهر في أمورهم صفات جلاله وجماله بما صنع مع آبائهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام ومن بعده وما سيظهر مما ترونه وما يكون بعدكم.