ولما كان لهم به من النفع إن تبعوا ما جاءهم به والضر إن ردوه ما ليس لغيرهم، وكان لا يقدر على تأدية بني إسرائيل إليه من أهل الأرض غيرهم لاحتوائهم عليهم كان تقديم الجار في أحكم مواضعه فلذلك قال مؤكداً فإنكارهم لرسالته عليه الصلاة والسلام :﴿إني لكم﴾ أي خاصة بسبب ذلك ﴿رسول﴾ أي من عند من لا تكون الرسالة الكاملة إلا منه، ولما كان الإنسان لا يأتمن على السياسة إلا ثقة كافياً، قال واصفاً لنفسه بما يزيل عذرهم ويقيم الحجة عليهم :﴿أمين﴾ أي بالغ الأمانة لأن الملك الديان لا يرسل إلا من كان كذلك.
ولما كان استعباد عبد الغير بغير حق في صورة العلو على مالك العبد قال :﴿وأن لا تعلوا﴾ أي تفعلوا باستعبادكم لبني إسرائيل نبي الله ابن خليل الله فعل العالي ﴿على الله﴾ الذي له مجامع العظمة ومعاقد العزة بنفوذ الكلمة وجميع أوصاف الكمال فإنكم إن فعلتم ذلك أخذكم بعزته ودمركم بعظمته.
ولما كان علو من يتصرف في العبد على مالك العبد لا يثبت إلا بعد ثبوت أنه ملكه وأنه لا يحب التصرف فيه، علل ذلك بقوله مؤكداً لأجل أن ما أتى به بصدد أن ينكروه لأن النزوع عما استقر في النفس ومضى عليه الإلف بعيد :﴿إني آتيكم﴾ وهو يصح أن يكون اسم فاعل وأن يكون فعلاً مضارعاً.
ولما كان فعلهم فعل العالي على السلطان، قال :﴿بسلطان﴾ أي أمر باهر قاهر من عند مالكهم، لا يسوغ لأحد الاستعلاء عليه فكيف بالاستعلاء على من هو بأمره ﴿مبين﴾ أي واضح في نفسه سلطنته ومظهر لغيره ذلك.