أما قوله ﴿كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ فالحكيم معناه ذو الحكمة، وذلك لأن تخصيص الله تعالى كل أحد بحالة معينة من العمر والرزق والأجل والسعادة والشقاوة يدل على حكمة بالغة لله تعالى، فلما كانت تلك الأفعال والأقضية دالة على حكمة فاعلها وصفت بكونها حكيمة، وهذا من الإسناد بالمجازي، لأن الحكيم صفة صاحب الأمر على الحقيقة ووصف الأمر به مجاز، ثم قال :﴿أَمْراً مّنْ عِنْدِنَا﴾ وفي انتصاب قوله ﴿أمْراً﴾ وجهان : الأول : أنه نصب على الاختصاص، وذلك لأنه تعالى بيّن شرف تلك الأقضية والأحكام بسبب أن وصفها بكونها حكيمة، ثم زاد في بيان شرفها بأن قال أعني بهذا الأمر أمراً حاصلاً من عندنا كائناً من لدنا، وكما اقتضاه علمنا وتدبيرنا والثاني : أنه نصب على الحال وفيه ثلاثة أوجه : الأول : أن يكون حال من أحد الضميرين في ﴿أنزلناه﴾، إما من ضمير الفاعل أي : إنا أنزلناه آمرين أمراً أو من ضمير المفعول أي : إنا أنزلناه في حال كونه أمراً من عندنا بما يجب أن يفعل والثالث : ما حكاه أبوعلي الفارسي عن أبي الحسن رحمهما الله أنه حمل قوله ﴿أمْراً﴾ على الحال وذو الحال قوله ﴿كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ وهو نكراً.
ثم قال :﴿إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ يعني أنا إنما فعلنا ذلك الإنذار لأجل إنا كنا مرسلين يعني الأنبياء.
ثم قال :﴿رَحْمَةً مّن رَّبّكَ﴾ أي للرحمة فهي نصب على أن يكون مفعولاً له.
ثم قال :﴿إِنَّهُ هُوَ السميع العليم﴾ يعني أن تلك الرحمة كانت رحمة في الحقيقة لأن المحتاجين، إما أن يذكروا بألسنتهم حاجاتهم، وإما أن لا يذكروها فإن ذكروها فهو تعالى يسمع كلامهم فيعرف حاجاتهم، وإن لم يذكروها فهو تعالى عالم بها فثبت أن كونه سميعاً عليماً يقتضي أن ينزل رحمته عليهم.
ثم قال :﴿رَبّ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :