وقال القرطبى :
﴿ حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) ﴾
إن جعلت "حم" جواب القسم تمّ الكلام عند قوله :﴿ المبين ﴾ ثم تبتدىء "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ".
وإن جعلت "إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ" جواب القسم الذي هو "الْكِتَابِ" وقفت على "مُنْذِرِينَ" وابتدأت "فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ".
وقيل : الجواب "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ"، وأنكره بعض النحويين من حيث كان صفة للمُقْسَم به، ولا تكون صفة المقسم به جواباً للقَسَم، والهاء في "أَنْزَلْنَاهُ" للقرآن.
ومن قال : أقسم بسائر الكتب فقوله :﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ ﴾ كنى به عن غير القرآن، على ما تقدّم بيانه في أوّل "الزخرف".
والليلة المباركة ليلة القدر.
ويقال : ليلة النصف من شعبان، ولها أربعة أسماء : الليلة المباركة، وليلة البراءة، وليلة الصَّك، وليلة القدر.
ووصفها بالبركة لما ينزل الله فيها على عباده من البركات والخيرات والثواب.
وروى قتادة عن واثلة " أن النبيّ ﷺ قال :"أنزلت صحف إبراهيم في أوّل ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لسِتّ مضَيْن من رمضان وأنزلت الزبور لاثنتي عشرة من رمضان وأنزل الإنجيل لثمان عشرة خلت من رمضان وأنزل القرآن لأربع وعشرين مضت من رمضان" " ثم قيل : أنزل القرآن كله إلى السماء الدنيا في هذه الليلة.
ثم أنزل نَجْماً نَجْماً في سائر الأيام على حسب اتفاق الأسباب.
وقيل : كان ينزل في كل ليلة القدر ما ينزل في سائر السنة.
وقيل : كان ابتداء الإنزال في هذه الليلة.
وقال عكرمة : الليلة المباركة هاهنا ليلة النصف من شعبان.
والأوّل أصح لقوله تعالى :﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر ﴾ [ القدر : ١ ].


الصفحة التالية
Icon