وأما قول من قال من المفسرين أول ما نزل الفاتحة فبطلانه أظهر من أن يكذر اه والكلام في ذلك مستوفى في الاتقان فليرجع إليه من أراده.
ووصف الليلة بالبركة لما أن إنزال القرآن مستتبع للمنافع الدينية والدنيوية بأجمعها أو لما فيها من تنزل الملائكة والرحمة وإجابة الدعوة وفضيلة العبادة أو لما فيها من ذلك وتقدير الأرزاق وفصل الأقصية كالآجال وغيرها وإعطاء تمام الشفاعة له عليه الصلاة والسلام، وهذا بناء على أنها ليلة البراءة، فقد روي أنه ﷺ سأل ليلة الثالق عشر من شعبان في أمته فأعطى الثلث منها ثم سأل ليلة الرابع عشر فأعطى الثلثين ثم سأل ليلة الخامس عشر فأعطى الجميع إلا من شرد على الله تعالى شراد البعير، وأياً ما كان فقد قيل : إن التعليل إنما يحتاج إليه بناء على القول بما اختاره العز بن عبد السلام من أن الأمكنة والأزمنة كلها متساوية في حد ذاتها لا يفضل بعضها بعضاً إلا بما يقع فيها من الأعمال ونحوها، وزاد بعضهم أو يحل لتدخل البقعة التي ضمته ﷺ فإنها أفضل البقاع الأرضية والسماوية حتى قيل وبه أقول إنها أفضل من العرش.
والحق أنه لا يبعد أن يخص الله سبحانه بعضها بمزيد، تشريف حتى يصير ذلك داعياً إلى إقدام المكلف على الأعمال فيها أو لحكمة أخرى، وجملة ﴿ إِنَّا أنزلناه ﴾ جواب القسم، وفي ذلك مبالغة نحو ما في قوله :
وثناياك أنها إغريض...
وقوله تعالى :﴿ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾ استئناف يبين المقتضى للإنزال، وقوله تعالى :