وفي شرح قصيدة ابن عبدون أن الرائش لقب الحرث بن بدر أحد التبابعة، وهو قبل أسعد المتقدم ذكره بزمان طويل جداً، وهو أيضاً ممن ذكر نبينا ﷺ في شعره فقال :
ويملك بعدهم رجل عظيم...
نبي لا يرخص في الحرام يسمى أحمداً يا ليت أني
أعمر بعد مخرجه بعام...
ثم إن ملكه الدنيا كلها غير مسلم، وبالجملة الأخبار مضطربة في أمر التبابعة وأحوالهم وترتيب ملوكهم بل قال صاحب تواريخ الأمم : ليس في التواريخ أسقم من تاريخ ملوك حمير لما يذكر من كثرة عدد سنينهم مع قلة عدد ملوكهم فإن ملوكهم ستة وعشرون ومدتهم ألفان وعشرون سنة.
وقال بعض : إن مدتهم ثلاثة آلاف واثنان وثمانون سنة ثم ملك من بعدهم اليمن الحبشة والله تعالى أعلم بحقيقة الحال، والقدر المعول عليه ههنا أن تبعا المذكور هو أسعد أبو كرب وأنه كان مؤمناً بنبينا ﷺ وكان على دين إبراهيم عليه السلام ولم يكن نبياً، وحكاية نبوته عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا تصح، وإخباره بمبعثه ﷺ لا يقتضيها لأنه علم ذلك من أحبار اليهود وهم عرفوه من الكتب السماوية.
وما روي من أنه عليه الصلاة والسلام قال : ما أدري أكان تبع نبياً أو غير نبي لم يثبت، نعم روى أبو داود.
والحاكم أنه عليه الصلاة والسلام قال :" ما أدري أذو القرنين هو أم لا " وليس فيه ما يدل على التردد في نبوته وعدمها فإن ذا القرنين ليس بنبي على الصحيح، ثم إن الظاهر أنه عليه الصلاة والسلام درى بعد أنه ليس ذا القرنين.
وقال قوم : ليس المراد بتبع هاهنا رجلاً واحداً إنما المراد ملوك اليمن، وهو خلاف الظاهر والأخبار تكذبه، ومعنى تبع متبوع فهو فعل بمعنى مفعول وقد يجىء هذا اللفظ بمعنى فاعل كما قيل للظل تبع لأنه يتبع الشمس، ويقال لملوك اليمن أقيال من يقيل فلان أباه إذا اقتدى به لأنهم يقتدى بهم، وقيل : سمى ملكهم قيلاً لنفوذ أقواله وهو مخفف قيل كميت.


الصفحة التالية
Icon