وما قاله بعضهم إن هذه الآية منسوخة لا يصح، لأن المراد بها ترك النزاع في المحقرات والتجاوز عن بعض ما يؤذي "مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ" ثواب عمله "وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها" وزر إساءته "ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ" ١٥ في الآخرة فيعاملكم بما كنتم تعملون في الدنيا، ونظير صدر هذه الآية الآية ٤٥ من فصلت المارة "وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ" بين الناس "وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ" الحلال ولا طيّب إلا وهو حلال ولا حلال إلا وهو طيب "وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ" ١٦ في زمانهم وعلى من قبلهم عدا نوح وإبراهيم وموسى وعيسى لأنهم من أولي العزم للاجماع على تفضيلهم "وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ" يعرفون بها الحلال من الحرام والحق من الباطل والجد من الهزل "فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ" الذي هو موجب للاتفاق لا الاختلاف، فكان اختلافهم بعد العلم "بَغْياً بَيْنَهُمْ" حاكوه بينهم حسدا للأنبياء وحبا ببقاء الرياسة، وهذا تعجب من حالهم لأن العلم يرفع الاختلاف لا يوقعه "إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ" ١٧ بمحض العناد وإظهار التكبر وليس عن جهل ليعذروا به، لأن التوراة أنزلت على نبيهم موسى عليه السلام مفصل فيها كل شيء يحتاجونه من أمر الدين والدنيا، فاختلافهم في تأويلها وعدم قبولهم بعض أحكامها ما هو إلا بغي وتجبر وطغيان، قال تعالى "ثُمَّ جَعَلْناكَ" يا سيد الرسل "عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ"
العائد لدينك وآتيناك سنة مستوية ومنهاجا قويما وطريقة مستقيمة "فَاتَّبِعْها" أنت وقومك المؤمنين بك "وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ" ١٨ طريقتك