قال بعض كفرة قريش لإن كان ما تقولونه في البعث حقا لنفضلنكم فيه كما فضلناكم في الدنيا بالمال والنشب والسعة والجاه، فأنزل اللّه هذه الآية يخبرهم فيها بأنه شتان ما بين المؤمن والكافر في الآخرة، لأن المؤمن مؤمن في حياته ومماته بالدنيا والآخرة، والكافر كافر في حياته ومماته فيهما، ومال الدنيا زائل لا محالة فلا قيمة له ولا عبرة بالتفاضل فيها، أما حال الآخرة الذي هو محل التفاضل والتنافس فهو باق للمؤمنين في نعيم الجنة، وباق للكافرين في جحيم
النار، والبون شاسع بين الحالتين فليس من أقعد على بساط الموافقة، كمن أجلس مع مقام المخالفة، ولا بد من الفرق وإعلاء المؤمنين وإخزاء الكافرين في يوم لا شفيع فيه ولا معين إلا من رحم اللّه، وأذن له بالشفاعة.
قال مسروق : قال لي رجل من أهل مكة هذا مقام أخيك تميم الداري، ولقد رأيته قام ذات ليلة حتى أصبح أو قرب أن يصبح يقرأ آية من كتاب اللّه يركع بها ويسجد ويبكي (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ)
الآية، ولما بلغها الفضيل جعل يرددها ويبكي ويقول ليت شعري من أي الفريقين أنت يا فضيل ؟.
قال تعالى "وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ" ويعدل فيهما بين خلقه بالحق فينصف المظلوم من الظالم ويظهر التفاوت بين المسيء والمحسن، فإذا لم يكن كل ذلك في الحياة لأمور اقتضتها حكمته فلا بد من كينونها في الممات أي بعده حتما.
وهذه الآية بمعرض الإنكار على حسبانهم تساوي الفريقين بدليل قوله "وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ" في دنياها "وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ" ٢٢ في الآخرة فلا يزاد على جزاء الظالم ولا ينقص من مكافآت المحسن.
مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة، والدهر :


الصفحة التالية
Icon