قال تعالى "أَ فَرَأَيْتَ" أيها الإنسان الكامل "مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ" فصار تبعا لما تهواه نفسه "وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ" منه بعاقبة أمره "وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ" فلم يجعله يسمع الهدى "وَقَلْبِهِ" فلم يدعه يعقله "وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً" فلم يتركه يراه فمن هذا شأنه أخبروني "فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ" استفهام إنكاري، أي لا يهديه أحد البتة لأنه لا يجاب إلا بلا "أَ فَلا تَذَكَّرُونَ" ٢٣ أيها الناس فنلاحظون وتقولون لا هادي إلا اللّه، ولا مضل لمن هداه، ولا هادي لمن أضله.
قال الواحدي : لم يبق للقدرية مع هذه الآية عذرا وحيلة لأن اللّه تعالى صرح بمنعه إياه عن الهوى حتى أخبر بأنه ختم على جوارحه كلها وعطلها عن النظر إلى طريق الهدى، وقيل في هذا المعنى :
إذا طلبتك النفس يوما بشهوة وكان إليها للخلاف طريق
فدعها وخالف ما هويت فإنمّا هواك عدو والخلاف صديق
لأن أصل الشر كله متابعة الهوى وكل الخير في مخالفته، وقيل :
نون الهوان من الهوى مسروقة فأسير كل هوى أسير هوان
وقال أبو عمرو موسى بن عمر الأشبيلي الزاهد :
فخالف هواعا واعصها إن من يطع هوى نفسه ينزع به شر منزع
ومن يطع النفس اللجوجة ترده وترم به في ؟ ؟ ؟ أي مصرع
واعلم أن متابعة الهوى مذمومة قبل الإسلام، قال عنترة :
إني امرؤ سمح الخليقة ماجد لا أتبع النفس اللجوج هواها
وقال الأبوصيري :
وخالف النفس والشيطان واعصهما وإن هما محضاك النصح فاتهم
ولا تطع منهما خصما ولا حكما فأنت تعرف كيد الخصم والحكم
وقال غيره :
هي النفس إن تمهل تلازم خساسة وإن تنبعث نحو الفضائل تبتهج
قال ابن عباس : ما ذكر اللّه هوى إلا ذمه.
وقال وهب : إذا شككت في خير أمرين فانظر أبعدهما من هواك.


الصفحة التالية
Icon