قال تعالى "وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا" في الدنيا وجزاؤه لأن العقوبة تسيء صاحبها وتقبح منه لذلك سميت سيئات ولما رأوها مجسمة أمامهم دهشوا "وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ" ٣٣ من أنواع العقاب الذي كان أخبرهم به رسلهم، إذ كانوا ينكرون ولا يصدقون ويسخرون بهم عند ما يذكرون لهم ذلك ويخوفونهم به "وَقِيلَ" لهم بعد إدخالهم النار وإحاطة العذاب بهم "الْيَوْمَ نَنْساكُمْ" فنترككم في هذا الشقاء ونجعلكم كالمنسيين بالنسبة لكم وهذا من باب المقابلة أي المتروكين لأن اللّه تعالى لا ينسى شيئا وذلك "كَما نَسِيتُمْ" في الدنيا "لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا" في الآخرة ولم تبالوا به ولم تصفوا
لنصح أنبيائكم وإرشادهم لكم بالعودة إليه "وَمَأْواكُمُ" الذي تأوون إليه للاستراحة وعند النوم هو "النَّارُ" لا راحة لكم ولا نوم فيها بل عذاب دائم مستمر "وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ" ٣٤ يخلصونكم منها أو يمنعون عذابها عنكم "ذلِكُمْ" الجزاء الشاق والعذاب الذي لا يطاق "بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا" بنعيمها الزائل وبهجتها المزخرفة وشغلكم حكامها عن الاعتراف بهذا اليوم.
"فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها" أبدا وقرىء بضم ياء يخرجون وفتحها وهو أحسن "وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ" ٣٥ يسترضون فلا يطلب منهم إرضاء ربهم والإيمان به وبالبعث والنبوة لأنه لا يقبل عذر فيه ولا توبة.
والالتفات من الخطاب إلى الغيبة إيذان بإسقاطهم عن رتبة الخطاب استهانة بهم، وأن الخطاب للخزنة الذين نقلوهم من مقام المخاطبة إلى غيابة النار، والالتفات من أنواع البديع المستحسنة في الكلام.


الصفحة التالية
Icon