ثم وصف هذا الأفاك بصفة أخرى، فقال :﴿ يَسْمَعُ ءايات الله تتلى عَلَيْهِ ﴾ وقيل : إن يسمع في محل نصب على الحال، وقيل : استئناف، والأول أولى، وقوله :﴿ تتلى عَلَيْهِ ﴾ في محل نصب على الحال ﴿ ثُمَّ يُصِرُّ ﴾ على كفره، ويقيم على ما كان عليه حال كونه ﴿ مُسْتَكْبِراً ﴾ أي : يتمادى على كفره متعظماً في نفسه عن الانقياد للحقّ، والإصرار مأخوذ من إصرار الحمار على العانة وهو أن ينحني عليها صارًّا أذنيه.
قال مقاتل : إذا سمع من آيات القرآن شيئًا اتخذها هزواً، وجملة :﴿ كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا ﴾ : في محل نصب على الحال، أو مستأنفة ؛ وأن هي المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير شأن محذوف ﴿ فَبَشّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ هذا من باب التهكم أي : فبشّره على إصراره واستكباره، وعدم استماعه إلى الآيات بعذاب شديد الألم ﴿ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءاياتنا شَيْئاً ﴾ قرأ الجمهور ﴿ علم ﴾ بفتح العين، وكسر اللام مخففة على البناء للفاعل.
وقرأ قتادة، ومطر الورّاق على البناء للمفعول.
والمعنى : أنه إذا وصل إليه علم شيء من آيات الله ﴿ اتخذها ﴾ أي : الآيات ﴿ هُزُواً ﴾ وقيل : الضمير في اتخذها عائد إلى ﴿ شيئًا ﴾ ؛ لأنه عبارة عن الآيات، والأوّل أولى.
والإشارة بقوله :﴿ أولئك ﴾ إلى كلّ أفاك متصف بتلك الصفات ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ بسبب ما فعلوا من الإصرار، والاستكبار عن سماع آيات الله، واتخاذها هزواً، والعذاب المهين : هو المشتمل على الإذلال، والفضيحة ﴿ مّن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ ﴾ أي : من وراء ما هم فيه من التعزز بالدنيا، والتكبر عن الحقّ جهنّم ؛ فإنها من قدّامهم ؛ لأنهم متوجهون إليها، وعبر بالوراء عن القدّام، كقوله :﴿ مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ ﴾ [ الرعد : ١٦ ] وقول الشاعر :


الصفحة التالية
Icon