أي في ذلك المذكور من تسخير البحر وتسخير ما في السموات والأرض دلائل على تفرد الله بالإلهية فهي وإن كانت منناً يحق أن يشكرها الناس فإنها أيضاً دلائل إذا تفكر فيها المنعَم عليهم اهتدوا بها، فحصلت لهم منها ملائمات جسمانية ومعارف نفسانية، وبهذا الاعتبار كانت في عداد الآيات المذكورةِ قبلها من قوله :﴿ إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين ﴾ [ الجاثية : ٣ ]، وإنما أُخرت عنها لأنها ذكرت في معرض الامتنان بأنها نعم، ثم عُقبت بالتنبيه على أنها أيضاً دلائل على تفرد الله بالخلق.
وأوثر التفكر بالذكر في آخر صفات المستدلين بالآيات، لأن الفكر هو منبع الإيمان والإيقان والعلم المتقدمة في قوله :﴿ لآيات للمؤمنين ﴾ [ الجاثية : ٣ ] ﴿ آياتٌ لقوم يوقنون ﴾ [ الجاثية : ٤ ] ﴿ آياتٌ لقوم يعقلون ﴾ [ الجاثية : ٥ ].
قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٤)
إن كانت هذه متصلة بالآي التي قبلها في النزول ولم يصح ما روي عن ابن عباس في سبب نزولها فمناسبة وقعها هنا أن قوله :﴿ ويل لكل أفّاك أثيم ﴾ إلى قوله :﴿ لهم عذاب من رجز أليم ﴾ [ الجاثية : ٧ ١١ ] يثير غضب المسلمين على المستهزئين بالقرآن.
وَقد أخذ المسلمون يعتزون بكثرتهم فكان ما ذكر من استهزاء المشركين بالقرآن واستكبارهم عن سماعه يتوقع منه أن يبطش بعض المسلمين ببعض المشركين، ويحتمل أن يكون بَدَرَ من بعض المسلمين غضب أو توعد وأن الله علم ذلك من بعضهم.