وقوله :﴿ من الأمر ﴾ يحتمل أن يكون واحد الأمور أي من دون الله ونبواته التي بثها في سالف الزمان، ويحتمل أن يكون مصدراً من أمر يأمر، أي على شريعة من الأوامر والنواهي، فسمى جميع ذلك أمراً. و﴿ الذين لا يعلمون ﴾ هم الكفار الذين كانوا يريدون صرف محمد ﷺ إلى إرادتهم. و: ﴿ يغنوا ﴾ من الغناء، أي لن يكون لهم عنك دفاع. ثم حقر تعالى شأن الظالمين مشيراً بذلك إلى كفار قريش، ووجه التحقير أنه قال : هؤلاء يتولى بعضهم بعضاً، والمتقون يتولاهم الله، فخرجوا عن ولاية الله وتبرأت منهم، ووكلهم الله بعضهم إلى بعض.
وقوله تعالى :﴿ هذا بصائر ﴾ يريد القرآن. والبصائر جمع بصيرة، وهي المعتقد الوثيق في الشيء، كأنه مصدر من إبصار القلب، فالقرآن فيه بيانات ينبغي أن تكون بصائر. والبصيرة في كلام العرب : الطريقة من الدم، ومنه قول الشاعر يصف جده في طلق الثأر وتواني غيره :[ الكامل ]
راحوا بصائرهم على أكتافهم... وبصيرتي يعدو بها عتد وأى
وفسر الناس هذا البيت بطريقة الدم إذ كانت عادة طالب الدم عندهم أن يجعل طريقة من دم خلف ظهره ليعلم بذلك أنه لم يدرك ثأره وأنه يطلبه، ويظهر فيه أنه يريد بصيرة القلب، أي قد اطرح هؤلاء بصائرهم وراء ظهورهم.
وقوله تعالى :﴿ أم حسب ﴾ الآية قول يقتضي أنه نزل بسبب افتخار كان للكفار على المؤمنين قالوا لئن كانت آخرة كما تزعمون لنفضلن عليكم فيها كما فضلنا في الدنيا. و: ﴿ أم ﴾ هذه ليست بمعادلة، وهي بمعنى بل مع ألف الاستفهام. و: ﴿ اجترحوا ﴾ معناه : اكتسبوا، ومنه جوارح الإنسان، ومنه الجوارح في الصيد، وتقول العرب : فلان جارحة أهله، أي كاسبهم.