والثالث : دروان العبد الذى (مُنى مع) الأَحكام الدينيّة صابرًا نفسه معها، سائرًا بسَيرها، مقيمًا بإِقامتها، يتوجّه معها أَينما توجّهت ركائبها، وينزل حيث استقلَّت مضاربُها. فهذا معنى كونه صابرًا مع الله، قد جعل نفسه وَقْفا على أَوامره ومحابّه. وهو أَشدّ أَنواع الصّبر وأَصبعها. وهو صب الصدّيقين.
قال ذو النُّون : الصبر : التباعد من المخالفات، والسّكون عند تجرّع غُصص البليّات، وإِظهار الغنى مع طول الفقر بساحات المعيشة. وقيل : الصبر : الوقوف مع البلاءِ بحسن الأَدب. وقيل : هو الفناءُ فى البلوَى، بلا ظهور شكوَى. وقيل : إِلزام النَّفْس الهجومَ علىالمكاره. وقيل : المُقام مع البلاءِ بحسن الصّحبة كالمقام مع العافية.
وقال عمرو بن عثمان : هو الثبات مع الله، وتلقِّى بلائه بالرُّحْب والسّعة. وقال الخّواص : هو الثبات على أَحكام الكتاب والسنة.
وقال يحيى بن مُعَاذ : صبر المحبّين أَشدّ من صبر الزاهدين. واعجبا كيف يصبرون! وأَنشد.
والصّبر يُحْمَدُ فى المواطن كلِّها إِلاَّ عليك فإِنَّه مذمومُ
وقيل : الصّبر هو الاستعانة بالله. وقيل : هو ترك الشكوَى. وقيل : الصّبر مثلُ اسمه مُرٌّ مَذاقته لكنْ عواقبه أَحلَى من العسلِ
وقيل : الصّبر أَن ترضى بتلَف نفسك فى رضا مَن تحبّه، كما قيل :
سأَصبر كى ترضَى وأَتْلَفُ حسرةً وحَسْبِىَ أَن ترضى ويقتلنى صبرى
وقيل : مراتب الصّبر خمسة : صابر، ومصطبر، ومتصبّر، وصَبُور، وصبّار.
فالصّابر أَعمّها. والمصطبر : المكتسِب للصبر، والمبتلَى به. والمتصبرّ : متكلِّف الصّبر حاملُ نفسِه عليه. والصّبور : العظيم الصّبر الَّذى صَبْره أَشدّ من صبر غيره. والصّبَار : الشديد الصّبر، فهذا فى القَدْر والكمّ، والَّذى قبله فى الوصف والكيف.
وقال علىّ بن أَبى طالب : الصّبر مطيَّة لا تَكْبُو.


الصفحة التالية
Icon