﴿بل﴾ للإضراب الإبطالي إبطالاً لمضمون المنهي عن قوله، والتقدير بل هم أحياء، وليس المعنى بل قُولوا هم أحياء لأن المراد إخبار المخاطبين هذا الخبرَ العظيمَ، فقوله :" أحْيَآء" هو خبر مبتدأ محذوف وهو كلام مستأنف بعد ﴿بل﴾ الإضرابية.
وإنما قال :﴿ولكن لا تشعرون﴾ للإشارة إلى أنها حياةٌ غير جسمية ولا مادِّيَّة بل حياة روحية، لكنها زائدة على مطلق حياة الأرواح، فإن للأرواح كلها حياة وهي عدم الاضمحلال وقبول التجسد في الحَشْر مع إحساس ما بكونها آيلة إلى نعيم أو جحيم، وأما حياة الذين قتلوا في سبيل الله فهي حياة مشتملة على إدراكات التنعم بلذات الجنة والعوالم العلوية والانكشافات الكاملة، ولذلك ورد في الحديث " إن أرواح الشهداء تجعل في حواصل طيور خضر ترعى من ثمر الجنة وتشرب من مائها ". والحكمة في ذلك أن اتصال اللذات بالأرواح متوقف على توسط الحواس الجسمانية، فلما انفصلت الروح عن الجسد عُوِّضت جسداً مناسباً للجنة ليكون وسيلة لنعميها. أ هـ
﴿التحرير والتنوير حـ ٢صـ ٥٣ ـ ٥٤﴾.
سؤال : ما ما المراد من قوله ﴿بل إحياء﴾ ؟
قال الماوردى :
في الآية تأويلان :
أحدهما : أنهم ليسوا أمواتاً وإن كانت أجسامهم أجسام الموتى بل هم عند الله أحياء النفوس منعّمو الأجسام.
والثاني : أنهم ليسوا بالضلال أمواتاً بل هم بالطاعة والهدى أحياء، كما قال تعالى :﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ في النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ في الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ [الأنعام : ١٢٢] فجعل الضالَّ ميتاً، والمُهْتَدي حياً.
ويحتمل تأويلاً ثالثاً : أنهم ليسوا أمواتاً بانقطاع الذكر عند الله وثبوت الأجر. أ هـ ﴿النكت والعيون حـ ١صـ ١٠٩﴾.
وقد رجح القول الأول الإمام فخر الدين الرازى فقال :
اعلم أن أكثر العلماء على ترجيح القول الأول، والذي يدل عليه وجوه.