والثالث مقرون بقطع الله تعالى حجة من خاصمه من اليهود في أمرالقبلة فكانت هذه عللاً ثلاثاً قرن بكل واحدة منها أمر بالتزام القبلة نظيره أن يقال : الزم هذه القبلة فإنها القبلة التي كنت تهواها، ثم يقال : الزم هذه القبلة فإنها قبلة الحق لا قبلة الهوى، وهو قوله :﴿وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبّكَ﴾ ثم يقال : لزم هذه القبلة فإن في لزومك إياها انقطاع حجج اليهود عنك، وهذا التكرار في هذا الموضع كالتكرار في قوله تعالى :﴿فَبِأَىّ ءَالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ﴾ [الرحمن : ١٢] وكذلك ما كرر في قوله تعالى :﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء : ١٧٤].
والجواب الخامس : أن هذه الواقعة أول الوقائع التي ظهر النسخ فيها في شرعنا فدعت الحاجة إلى التكرار لأجل التأكيد والتقرير وإزالة الشبهة وإيضاح البينات. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٤ صـ ١٢٤ ـ ١٢٦﴾
وقال الإمام الماوردى :
أكد الله أمره في استقبال الكعبة، لما جرى من خوض المشركين ومساعدة المنافقين، بإعادته فقال :﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ تبييناً لِنَبِيِّهِ وصرفاً له عن الاغترار بقول اليهود : أنهم يتبعونه إن عاد.
﴿وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يقول ذلك ترغيباً لهم في الخير.
والثاني : تحذيراً من المخالفة.
ثم أعاد الله تعالى تأكيد أمره، ليخرج من قلوبهم ما استعظموه من تحويلهم إلى غير ما أَلِفُوه، فقال :﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ فأفاد كل واحد من الأوامر الثلاثة مع استوائها في التزام الحكم فائدة مستجده :


الصفحة التالية
Icon