بحث لطيف عن الذكر للعلامة ابن جزى ـ رحمه الله ـ
وبالجملة فهذه الآية بيان لشرف الذكر وبينها قول رسول الله ـ ﷺ ـ كما يرويه عن ربه أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم والذكر ثلاثة أنواع ذكر بالقلب وذكر باللسان وبهما معا واعلم أن الذكر أفضل الأعمال على الجملة
وإن ورد في بعض الأحاديث تفضيل غيره من الأعمال كالصلاة وغيرها فإن ذلك لما فيها من معنى الذكر والحضور مع الله تعالى والدليل على فضيلة الذكر من ثلاثة أوجه الأول النصوص الواردة بتفضيله على سائر الأعمال قال رسول الله ـ ﷺ ـ ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى يا رسول الله قال ذكر الله وسئل رسول الله ـ ﷺ ـ أي الأعمال أفضل قال ذكر الله قيل الذكر أفضل أم الجهاد في سبيل الله فقال لو ضرب المجاهد بسيفه في الكفار حتى ينقطع سي فهو يختضب دما لكان الذاكر أفضل منه الوجه الثاني أن الله تعالى حيث ما أمر بالذكر أو أثنى على الذكر اشترط فيه الكثرة فقال اذكروا الله ذكرا كثيرا والذاكرين الله كثيرا ولم يشترط ذلك في سائر الأعمال الوجه الثالث أن للذكر مزية هي له خاصة وليست لغيره وهي الحضور في الحضرة العلية والوصول إلى القرب بالذي عبر عنه ما ورد في الحديث من المجالسة والمعية فإن الله تعالى يقول أنا جليس من ذكرني ويقول أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني وللناس في المقصد بالذكر مقامان فمقصد العامة اكتساب الأجور ومقصد الخاصة القرب والحصور وما بين المقامين بون بعيد فكم بين من يأخذ أجره وهو من وراء حجاب وبين من يقرب حتى يكون من خواص الأحباب واعلم أن الذكر على أنواع كثيرة فمنها التهليل والتسبيح والتكبير والحمد والحوقلة والحسبلة وذكر كل اسم من أسماء الله تعالى والصلاة على النبي ـ ﷺ ـ والاستغفار وغير ذلك ولكل ذكر خاصيته وثمرته وأما التهليل فثمرته التوحيد أعني التوحيد الخاص فإن التوحيد العام حاصل لكل مؤمن وأما التكبير فثمرته التعظيم والإجلال لذي الجلال وأما الحمد والأسماء التي معناها الإحسان والرحمة كالرحمن الرحيم والكريم والغفار وشبه ذلك فثمرتها ثلاث مقامات وهي الشكر وقوة


الصفحة التالية
Icon