قال تعالى يا أكرم الرسل قل لقومك ما أتبع فيما أقوله لكم سحرا ولا كهانة ولا اختلاقا ولا خرافات "إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ" من ربي وإني لست بساحر ولا كاهن ولا قصاص "ما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ" ٩ لكم شريعة اللّه كما أوحاها إلي لا أبتدع شيئا فيها من نفسي ولا أنقل لكم عن غيره شيئا أبدا، واعلم أن البدع والبديع من كل شيء المبدأ، والبدعة تطلق على ما لم يكن زمن الرسول صلّى اللّه عليه وسلم، وتكون حسنة إذا أجمع على حسنها المؤمنون، وسيئة إذا أجمعوا على قبحها، ولا عبرة بقول البعض في التحسين والتقبيح.
هذا، قالوا لما نزلت هذه الآية فرح المشركون وقالوا واللات والعزّى ما أمرنا وأمر محمد عند اللّه إلا واحدا، ولو لا أنه ابتدع ما يقوله من ذاته لأخبره الذي بعثه ما يفعل، وقال الكلبي : لما ضجر أصحاب محمد من أذى المشركين قالوا له حتى متى تكون على هذه الحالة فقال ما أدري ما يفعل بي ولا بكم، وهل أترك في مكة أم أومر بالخروج إلى أرض رفعت لي بالمنام ذات نخيل وشجر.
وما أخرجه أبو داود في ناسخه من أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى في سورة الفتح ج ٣ (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) وأن الأصحاب قالوا له هنيئا لك يا نبي اللّه، قد علمنا ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا ؟ فأنزل اللّه الآية ٤٨ من الأحزاب ج ٣ وهي (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً) وقوله تعالى (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) الآية ٥ من سورة الفتح ج ٣، لا يصح لأن هذه خبر من الأخبار لا يدخلها النسخ وهي محكمة.