وهذه الآية المدنية الثانية، قال تعالى "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً" بأن يحسن إليهما ولا يسيء "حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً" حين ثقل عليها "وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً" بشدة الطلق حالة الوضع "وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ" فطامه عن الرضاع "ثَلاثُونَ شَهْراً" وذلك أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وأكثر مدة الرضاع سنتان، فإذا وضع لأكثر من ستة نقص من مدة الرضاع مثل ما زاد على مدة أقل الحمل، فإذا كان الوضع لتسعة مثلا كان الرضاع واحدا وعشرين شهرا وهكذا، أما من يولد لتمام سنتين على قول أبي حنيفة أو لتمام أربع سنين على قول الشافعي رحمهما اللّه فهو نادر، وعلى كل يكون رضاعه دون السنتين، ولهذا البحث صلة في الآية ١٤ من سورة المؤمنين الآتية، "حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ" جمع لا واحد له من لفظه.
وقال سيبويه واحده شدة، راجع تفصيل ما فيه في الآية ١٤ من سورة القصص في ج ١، "وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً" هي نهاية تمام قوته واستوائه وغاية كمال شبابه وعقله وكماله، ولهذا جاء في الحديث أن الشيطان يمر يديه على وجه من زاد على الأربعين ولم يتب ويقول له يأبى وجه لا يفلح.
وأخرج أبو الفتح الأزدي من طريق جديد عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا : من أتى عليه الأربعون سنة فلم يغلب خيره على شره فليتجهز إلى النار.
وقيل في هذا المعنى :
إذا المرء في الأربعين ولم يكن له دون ما يهوى حياء ولا ستر
فدعه ولا تنفس عليه الذي مضى وإن جرّ أسباب الحياة له العمر
لأنه والعياذ باللّه ينطبع على ما هو عليه فيصعب تبديل خلقه كما يستحيل تغير خلقه، وفي هذا المعنى أيضا يقول الآخر :
وماذا يبتغي الشعراء مني وقد جاوزت سنّ الأربعين
وقال الآخر :
أبعد شيي أبتغي الأدبا وكنت قبلا فتى مهذبا


الصفحة التالية
Icon