فصل


قال الفخر :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) ﴾)
اعلم أنه تعالى لما قرر دلائل التوحيد والنبوّة وذكر شبهات المنكرين وأجاب عنها، ذكر بعد ذلك طريقة المحقين والمحققين فقال :﴿إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا﴾ وقد ذكرنا تفسير هذه الكلمة في سورة السجدة والفرق بين الموضعين أن في سورة السجدة ذكر أن الملائكة ينزلون ويقولون ﴿أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ﴾ [ فصلت : ٣٠ ] وهاهنا رفع الواسطة من البين وذكر أنه ﴿لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ فإذا جمعنا بين الآيتين حصل من مجموعهما أن الملائكة يبلغون إليهم هذه البشارة، وأن الحق سبحانه يسمعهم هذه البشارة أيضاً من غير واسطة.
واعلم أن هذه الآيات دالة على أن من آمن بالله وعمل صالحاً فإنهم بعد الحشر لا ينالهم خوف ولا حزن، ولهذا قال أهل التحقيق إنهم يوم القيامة آمنون من الأهوال، وقال بعضهم خوف العقاب زائل عنهم، أما خوف الجلال والهيبة فلا يزول ألبتة عن العبد، ألا ترى أن الملائكة مع علو درجاتهم وكمال عصمتهم لا يزول الخوف عنهم فقال تعالى :﴿يخافون رَبَّهُمْ مّن فَوْقِهِمْ﴾ [ النحل : ٥٠ ] وهذه المسألة سبقت بالاستقصاء في آيات كثيرة منها قوله تعالى :﴿لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر﴾ [ الأنبياء : ١٠٣ ].


الصفحة التالية