وقال ابن عاشور :
﴿حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) ﴾
تقدم القول في نظيره في أول الجاثية.
مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (٣)
لما كان من أهم ما جاء به القرآن إثباتُ وحدانية الله تعالى، وإثباتُ البعث والجزاء، لتوقف حصول فائدة الإنذار على إثباتهما، جُعِل قوله :﴿ تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ﴾ [ الأحقاف : ٢ ] تمهيداً للاستدلال على إثبات الوحدانية والبعث والجزاء، فجُعل خلق السماوات والأرض محل اتفاق، ورتب عليه أنه ما كان ذلك الخَلق إلا ملابساً للحق، وتقتضي ملابسته للحق أنه لا يكون خلْقاً عبثاً بل هو دال على أنه يعقبه جزاء على ما يفعله المخلوقون.
واستثناءُ ﴿ بالحق ﴾ من أحوال عامة، أي ما خلقناهما إلا في حالة المصاحبة للحق.
وقوله :﴿ والذين كفروا عما أنذروا معرضون ﴾ في موضع الحال من الضمير المقدر في متعلّق الجار والمجرور من قوله :﴿ بالحق ﴾، فيكون المقصود من الحال التعجيب منهم وليس ذلك عطفاً لأن الإخبار عن الذين كفروا بالإعراض مستغنى عنه إذ هو معلوم، والتقدير : إلا خلقاً كائناً بملابسة الحق في حال إعراض الذين كفروا عما أنذروا به مما دل عليه الخلق بالحق.
وصاحب الحال هو ﴿ السماوات والأرض ﴾، والمعنى : ما خلقناهما إلا في حالة ملابسة الحق لهما وتعيين أجل لهما.
وإعراض الذين كفروا عما أنذروا به من آيات القرآن التي تذكرهم بما في خلق السماوات والأرض من ملابسة الحق.


الصفحة التالية
Icon